الضرب الثاني : ما يؤخذ من إشارة اللفظ 
ما يؤخذ من إشارة اللفظ  لا من اللفظ ، ونعني به : ما يتسع اللفظ من 
غير تجريد قصد إليه ، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته ، وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة ، فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به ، ويبنى عليه . 
ومثال ذلك تمسك العلماء في تقدير أقل الطهر ، وأكثر الحيض  بخمسة عشر يوما بقوله عليه السلام : { إنهن ناقصات عقل ، ودين فقيل : ما نقصان دينهن ؟ فقال : تقعد إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصلي ، ولا تصوم   } فهذا إنما سيق لبيان نقصان الدين ، وما وقع النطق قصدا إلا به لكن حصل به إشارة إلى أكثر الحيض ، وأقل الطهر ، وأنه لا يكون فوق شطر الدهر ، وهو خمسة عشر يوما من الشهر ، إذ لو تصور الزيادة لتعرض لها عند قصد المبالغة في نقصان دينها ، ومثاله استدلال  الشافعي  رحمه الله في تنجس الماء القليل بنجاسة لا تغيره  [ ص: 264 ] بقوله عليه السلام : { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده   } إذ قال : لولا أن يقين النجاسة ينجس لكان توهمها لا يوجب الاستحباب . 
، ومثاله تقدير أقل مدة الحمل بستة أشهر أخذا من قوله : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا    } ، وقد قال في موضع آخر : { وفصاله في عامين    } ، ومثاله المصير إلى أن من وطئ بالليل في رمضان فأصبح جنبا  لم يفسد صومه ; لأنه قال : { وكلوا واشربوا حتى يتبين    } ، وقال : { فالآن باشروهن    } ثم مد الرخصة إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فتشعر الآية بجواز الأكل ، والشرب ، والجماع في جميع الليل ، ومن فعل ذلك في آخر الليل استأخر غسله إلى النهار ، وإلا وجب أن يحرم الوطء في آخر جزء من الليل بمقدار ما يتسع للغسل . فهذا ، وأمثاله مما يكثر ، ويسمى إشارة اللفظ . 
				
						
						
