الركن الثالث : المجتهد فيه
والمجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي . واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام ، فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم . وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما ; ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد . فهذه هي الأركان ، فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله ، كان ما أدى إليه الاجتهاد حقا وصوابا كما سيأتي . وقد ظن ظانون أن شرط المجتهد أن لا يكون نبيا فلم يجوزوا الاجتهاد للنبي ، وأن شرط الاجتهاد أن لا يقع في زمن النبوة ; فنرسم فيه مسألتين :
مسألة اختلفوا في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمان الرسول عليه السلام
فمنعه قوم وأجازه قوم ، وقال قوم : يجوز للقضاة والولاة في غيبته لا في حضور النبي صلى الله عليه وسلم .
والذين جوزوا منهم من قال : يجوز بالإذن ، ومنهم من قال : يكفي سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم اختلف المجوزون في وقوعه والمختار أن ذلك جائز في حضرته وغيبته وأن يدل عليه بالإذن أو السكوت ; لأنه ليس في التعبد به استحالة في ذاته ولا يفضي إلى محال ولا إلى مفسدة . وإن أوجبنا الصلاح فيجوز أن يعلم الله لطفا يقتضي ارتباط صلاح العباد بتعبدهم بالاجتهاد لعلمه بأنه لو نص لهم على قاطع لبغوا وعصوا .
فإن قيل : الاجتهاد مع النص محال وتعرف الحكم بالنص بالوحي الصريح ممكن فكيف يردهم إلى ورطة الظن ؟ قلنا : فإذا قال لهم : أوحي إلي أن حكم الله تعالى عليكم ما أدى إليه اجتهادكم وقد تعبدكم بالاجتهاد ، فهذا نص . وقولهم : الاجتهاد مع النص محال مسلم ، ولكن لم ينزل نص في الواقعة ، وإمكان النص لا يضاد الاجتهاد وإنما يضاده نفس النص كيف وقد تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء بقول الشهود حتى قال :
{ } [ ص: 346 ] وكان يمكن نزول الوحي بالحق الصريح في كل واقعة حتى لا يحتاج إلى رجم بالظن وخوف الخطأ . فأما وقوعه فالصحيح أنه قام الدليل على وقوعه في غيبته بدليل قصة إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ؟ فأما في حضرته فلم يقم فيه دليل . فإن قيل : فقد قال معاذ { لعمرو بن العاص : } وقال احكم في بعض القضايا . فقال : أجتهد وأنت حاضر ؟ فقال : نعم إن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر ولرجل من الصحابة { لعقبة بن عامر } قلنا : حديث اجتهدا فإن أصبتما فلكما عشر حسنات وإن أخطأتما فلكما حسنة مشهور قبلته الأمة ، وهذه أخبار آحاد لا تثبت وإن ثبتت احتمل أن يكون مخصوصا بهما أو في واقعة معينة ، وإنما الكلام في جواز الاجتهاد مطلقا في زمانه . معاذ