الباب الثاني : في أركان النسخ وشروطه
nindex.php?page=treesubj&link=22172أركان النسخ وشروطه
ويشتمل على تمهيد لمجامع الأركان والشروط وعلى مسائل تتشعب من أحكام الناسخ والمنسوخ . أما التمهيد ، فاعلم أن أركان النسخ أربعة : النسخ ، والناسخ ، والمنسوخ ، والمنسوخ عنه . فإذا كان النسخ حقيقته رفع الحكم ، فالناسخ هو الله تعالى فإنه الرافع للحكم ، والمنسوخ هو الحكم المرفوع ، والمنسوخ عنه هو المتعبد المكلف ، والنسخ قوله الدال على رفع الحكم الثابت .
وقد يسمى الدليل ناسخا على سبيل المجاز ، فيقال : هذه الآية ناسخة لتلك . وقد يسمى الحكم ناسخا مجازا ، فيقال : صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء . والحقيقة هو الأول ; لأن النسخ هو الرفع ، والله تعالى هو الرافع بنصب الدليل على الارتفاع وبقوله الدال عليه . وأما مجامع شروطه فالشروط أربعة :
الأول : أن يكون المنسوخ حكما شرعيا لا عقليا أصليا ، كالبراءة الأصلية التي ارتفعت بإيجاب العبادات .
الثاني : أن يكون النسخ بخطاب ، فارتفاع الحكم بموت المكلف ليس نسخا إذ ليس المزيل خطابا رافعا لحكم خطاب سابق ، ولكنه قد قيل أولا الحكم عليك ما دمت حيا . فوضع الحكم قاصر على الحياة فلا يحتاج إلى الرفع .
الثالث : أن لا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدا بوقت .
[ ص: 98 ] يقتضي دخوله زوال الحكم ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ثم أتموا الصيام إلى الليل } .
الرابع : أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا ، لا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ولا تقربوهن حتى يطهرن } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .
وليس يشترط فيه تسعة أمور :
الأول : أن يكون رافعا للمثل بالمثل بل أن يكون رافعا فقط .
الثاني : أن لا يشترط ورود النسخ بعد دخول وقت المنسوخ بل يجوز قبل دخول وقته .
الثالث : أن لا يشترط أن يكون المنسوخ مما يدخله الاستثناء والتخصيص بل يجوز ورود النسخ على الأمر بفعل واحد في وقت واحد .
الرابع : أن لا يشترط أن يكون نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة فلا تشرط الجنسية بل يكفي أن يكون مما يصح النسخ به .
الخامس : أن لا يشترط أن يكونا نصين قاطعين إذ يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=22184_22217نسخ خبر الواحد بخبر الواحد وبالمتواتر وإن كان لا يجوز نسخ المتواتر بخبر الواحد .
السادس : لا يشترط أن يكون الناسخ منقولا بمثل لفظ المنسوخ بل أن يكون ثابتا بأي طريق كان ، فإن التوجه إلى
بيت المقدس لم ينقل إلينا بلفظ القرآن والسنة وناسخه نص صريح في القرآن ، وكذلك لا يمتنع نسخ الحكم المنطوق به باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وقياسه وإن لم يكن ثابتا بلفظ ذي صيغة وصورة ويجب نقلها .
السابع : لا يشترط أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ حتى لا ينسخ الأمر إلا بالنهي ولا النهي إلا بالأمر بل يجوز أن ينسخ كلاهما بالإباحة وأن ينسخ الواجب المضيق بالموسع ، وإنما يشترط أن يكون الناسخ رافعا حكما من المنسوخ كيف كان .
الثامن : لا يشترط كونهما ثابتين بالنص بل لو كان بلحن القول وفحواه وظاهره وكيف كان بدليل أن النبي عليه السلام بين أن آية وصية الأقارب نسخت بقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11190إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، ألا لا وصية لوارث } مع أن الجمع بين الوصية والميراث ممكن فليسا متنافيين تنافيا قاطعا .
التاسع : لا يشترط نسخ الحكم ببدل أو بما هو أخف بل يجوز بالمثل والأثقل وبغير بدل كما سبق .
الْبَابُ الثَّانِي : فِي أَرْكَانِ النَّسْخِ وَشُرُوطِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=22172أَرْكَانِ النَّسْخِ وَشُرُوطِهِ
وَيَشْتَمِلُ عَلَى تَمْهِيدٍ لِمَجَامِعِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَعَلَى مَسَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْ أَحْكَامِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ . أَمَّا التَّمْهِيدُ ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ النَّسْخِ أَرْبَعَةٌ : النَّسْخُ ، وَالنَّاسِخُ ، وَالْمَنْسُوخُ ، وَالْمَنْسُوخَ عَنْهُ . فَإِذَا كَانَ النَّسْخُ حَقِيقَتُهُ رَفْعَ الْحُكْمِ ، فَالنَّاسِخُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ الرَّافِعُ لِلْحُكْمِ ، وَالْمَنْسُوخُ هُوَ الْحُكْمُ الْمَرْفُوعُ ، وَالْمَنْسُوخُ عَنْهُ هُوَ الْمُتَعَبِّدُ الْمُكَلَّفُ ، وَالنَّسْخُ قَوْلُهُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ .
وَقَدْ يُسَمَّى الدَّلِيلُ نَاسِخًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ ، فَيُقَالُ : هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِتِلْكَ . وَقَدْ يُسَمَّى الْحُكْمُ نَاسِخًا مَجَازًا ، فَيُقَالُ : صَوْمُ رَمَضَانَ نَاسِخٌ لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ . وَالْحَقِيقَةُ هُوَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ النَّسْخَ هُوَ الرَّفْعُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّافِعُ بِنَصْبِ الدَّلِيلِ عَلَى الِارْتِفَاعِ وَبِقَوْلِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَجَامِعُ شُرُوطِهِ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَا عَقْلِيًّا أَصْلِيًّا ، كَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي ارْتَفَعَتْ بِإِيجَابِ الْعِبَادَاتِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بِخِطَابٍ ، فَارْتِفَاعُ الْحُكْمِ بِمَوْتِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ نَسْخًا إذْ لَيْسَ الْمُزِيلُ خِطَابًا رَافِعًا لِحُكْمِ خِطَابٍ سَابِقٍ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ قِيلَ أَوَّلًا الْحُكْمُ عَلَيْكَ مَا دُمْتَ حَيًّا . فَوَضْعُ الْحُكْمِ قَاصِرٌ عَلَى الْحَيَاةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّفْعِ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا يَكُونَ الْخِطَابُ الْمَرْفُوعُ حُكْمُهُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ .
[ ص: 98 ] يَقْتَضِي دُخُولُهُ زَوَالَ الْحُكْمِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } .
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ النَّاسِخُ مُتَرَاخِيًا ، لَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ تِسْعَةُ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِلْمِثْلِ بِالْمِثْلِ بَلْ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا فَقَطْ .
الثَّانِي : أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وُرُودَ النَّسْخِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْمَنْسُوخِ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّخْصِيصُ بَلْ يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَى الْأَمْرِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
الرَّابِعُ : أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ فَلَا تُشْرَطُ الْجِنْسِيَّةُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ .
الْخَامِسُ : أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَا نَصَّيْنِ قَاطِعَيْنِ إذْ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=22184_22217نَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِالْمُتَوَاتِرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ .
السَّادِسُ : لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مَنْقُولًا بِمِثْلِ لَفْظِ الْمَنْسُوخِ بَلْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ، فَإِنَّ التَّوَجُّهَ إلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَنَاسِخُهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ نَسْخُ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِاجْتِهَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِلَفْظٍ ذِي صِيغَةٍ وَصُورَةٍ وَيَجِبُ نَقْلُهَا .
السَّابِعُ : لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُقَابِلًا لِلْمَنْسُوخِ حَتَّى لَا يُنْسَخَ الْأَمْرُ إلَّا بِالنَّهْيِ وَلَا النَّهْيُ إلَّا بِالْأَمْرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ كِلَاهُمَا بِالْإِبَاحَةِ وَأَنْ يُنْسَخَ الْوَاجِبُ الْمُضَيَّقُ بِالْمُوَسَّعِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ رَافِعًا حُكْمًا مِنْ الْمَنْسُوخِ كَيْفَ كَانَ .
الثَّامِنُ : لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا ثَابِتَيْنِ بِالنَّصِّ بَلْ لَوْ كَانَ بِلَحْنِ الْقَوْلِ وَفَحْوَاهُ وَظَاهِرِهِ وَكَيْفَ كَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَّنَ أَنَّ آيَةَ وَصِيَّةِ الْأَقَارِبِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11190إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ مُمْكِنٌ فَلَيْسَا مُتَنَافِيَيْنِ تَنَافِيًا قَاطِعًا .
التَّاسِعُ : لَا يُشْتَرَطُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِبَدَلٍ أَوْ بِمَا هُوَ أَخَفُّ بَلْ يَجُوزُ بِالْمِثْلِ وَالْأَثْقَلِ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ كَمَا سَبَقَ .