مسألة
: العلة تنقسم باعتبار عملها في الابتداء والدوام إلى ثلاثة أقسام
( أحدها ) ما يكون علة لاقتضاء الحكم واستدامته كالرضاع في تحريم النكاح ، وكالإيمان وعدم الملك في المنكوحة . ( الثاني ) ما تكون علة للابتداء دون الاستدامة ، كالعدة والردة هما علتان في منع ابتداء النكاح دون استدامته ، وكعدم الطول وخوف العنت وعدم الإحرام . وما ذكرناه من كون هذا القسم من أحكام العلل ذكره الأصوليون وغيرهم ، منهم ابن القطان في كتابه وإلكيا والشيخ أبو إسحاق والإمام في المحصول وغيرهم ، وحكاه سليم في التقريب عن بعض أصحابنا . ثم قال : وهذا قول فاسد ; لأنه يوجب القول بتخصيص العلة [ ص: 221 ] ونقضها ، والعدة والردة إنما جعلتا علة في منع ابتداء علة عقد النكاح ، وهما علة في منع ذلك بكل حال ، ولم يجعلا علة في منع الاستدامة ، فلا يقال : إن استدامته تجوز مع وجود العلة ، وكذلك كل ما أشبهه .
( الثالث ) : عكسه ، كالطلاق ، فإنه يرفع حل الاستمتاع ولكن لا يدفعه ، إذ الطلاق لا يمنع وقوع نكاح جديد . قال ابن القطان : وجملة الكلام في هذا أن العلل على حسب ما رتبها الله ونصبها ، فإن نصبها للابتداء والدوام ، أو لأحدهما ، كانت له . وقد أطال أصحابنا الكلام مع فيما إذا تزوج بالأمة ثم أيسر ، هل يصح النكاح ؟ فإنه ذهب إلى انفساخه كالابتداء ، وناقض في ذلك فجوزه مع ارتفاع العنت وهو لا يحل في الابتداء . فالواجب اعتبار ما نصبه تعالى دون الاشتغال بأعيان . وقد اختلف قول المزني رحمه الله في أكل الميتة مضطرا في الابتداء غير مضطر في الانتهاء ، هل يأكل بعد ارتفاع الضرورة ؟ فخرجه على قولين : ( أحدهما ) أنه يأكل ، و ( الثاني ) لا ، من حيث إنه قد ارتفعت العلة . وهذا معنى قول أصحابنا : الشيء إذا أبيح لمعنيين فارتفع أحدهما هل يباح أو يرجع إلى الضد ؟ وقيل : لا حتى يرتفع المعنيان جميعا . وعندنا أن الأمر على ما نصب له الشافعي قلت : وهذا الخلاف حكاه القاضي في الحكم العقلي إذا وجب بعلتين كما سنذكره .