[ المسلك ] الثالث الإيماء والتنبيه
وهو يدل على العلية بالالتزام ، لأنه يفهمها من جهة المعنى لا اللفظ ، وإلا لكان صريحا ، ووجه دلالته أن ذكره مع الحكم يمنع أن يكون لا لفائدة ، لأنه عبث ، فتعين أن يكون لفائدة ، وهي إما كونه علة أو جزء علة أو شرطا ، والأظهر كونه علة لأنه الأكثر في تصرف الشارح . وهو أنواع .
أحدها : ، وتارة يقترن ب ( أن ) ، وتارة بالفاء ، وتارة يذكر مجردا . فالأول كقوله تعالى : { ذكر الحكم السكوتي أو الشرعي عقب الوصف المناسب له وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين } - إلى قوله : { خاشعين } وقوله : { إن المتقين في جنات وعيون } . . . الآية [ ص: 252 ] والثاني كقوله { والسارق والسارقة فاقطعوا } . . . و { الزانية والزاني فاجلدوا } . . . والثالث : { إن المتقين في جنات ونهر } ، { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . والذي بعد الفاء تارة يكون حكما ، نحو { قل هو أذى فاعتزلوا النساء } . . . ، وتارة يكون علة ، نحو { } فإنه علة تجنيبه الطيب . ثم منه ما صرح فيه بالحكم والوصف معا فهو إيماء بلا خلاف ، كقوله عليه السلام : { فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } ، { من أحيا أرضا ميتة فهي له } ، فقد صرح في الأول بالإحياء ، وهو الوصف ، والحكم وهو الملك . وفي الثاني بالملك وهو الوصف ، وبالعتق وهو الحكم . ومنه ما لم يصرح بهما : فإن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ، فليس بإيماء قطعا . وقيل : على الخلاف في عكسه ، وهو ما حكاه صرح بالحكم - والوصف مستنبط - كتحريم الربا في البر المستخرج منه علة الكيل أو الطعم أو الوزن واستبعده ابن الحاجب الهندي . وإن صرح بالوصف - والحكم مستنبط - كالصحة المستنبطة من حل البيع والنكاح ، فهل النص الدال على ثبوت الحل إيماء أو ثبوت الصحة ؟ اختلفوا فيه : فذهب قوم إلى إثباته ، ورجحه الهندي ، لأن الصحة لازمة للحل ، إذ لولا الصحة لم يكن للإحلال فائدة . وذهب قوم إلى أنه ليس بإيماء إليها ، لأنها غير مصرح بها ، فهو كما لو صرح بالحكم واستخرجنا العلة قياسا لأحدهما على عكسه . وجمع في الصورتين ثلاثة أقوال : والنزاع لفظي يلتفت إلى تفسير ( الإيماء ) هل هو اقتران الحكم والوصف ، سواء [ ص: 253 ] كانا مذكورين أو أحدهما مذكورا والآخر مقدرا ، أو بشرط أن يكونا مذكورين ؟ وإن إثبات مستلزم الشيء نقيض إثباته . ابن الحاجب