[ ص: 106 ] فصل [ ما استحسنه  الشافعي  ، والمراد منه    ] قال ابن القاص    : لم يقل  الشافعي  بالاستحسان إلا في ثلاثة مواضع : قال : وأستحسن في المتعة أن تقدر ثلاثين درهما وقال : رأيت بعض الحكام يحلف على المصحف وذلك حسن وقال في مدة الشفعة : وأستحسن ثلاثة أيام وقال الخفاف  في الخصال " : قال  الشافعي  بالاستحسان في ستة مواضع ، فذكر هذه الثلاثة وزاد قوله في باب الصداق : من أعطاها بالخلوة فذاك ضرب من الاستحسان يعني قوله القديم وكذلك في الشهادات : كتب قاض إلى قاض ذلك استحسان ومراسيل سعيد  حسن وقد أجاب الأصحاب منهم : الإصطخري  ، وابن القاص  ، والقفال  ، والسنجي  ، والماوردي  ، والروياني  ، وغيرهم أن  الشافعي  إنما استحسن ذلك بدليل يدل عليه ، وهو " الاستحسان حجة "  أي أنه حسن ، لأن كل ما ثبتت حجته كان حسنا - أما الأول : فرواه عن  ابن عمر  ، وهو صحابي فاستحسنه على قول غيره وقال القفال    ; إنما ذكره في القديم ، بناء على قوله في تقليد الصحابة وقال الصيرفي  في شرح الرسالة " : إنما استحب الفضل ولم يوجبه وإنما ينكر القضاء بالاستحسان ، فأما أن يستحب الكرم والزيادة فلا ينكر - وأما الثاني : فإن  ابن عباس   وابن الزبير  فعلاه ، وأن الشرع ورد باعتبار ما فيه إرهاب وزجر عن اليمين الفاجرة ، والتحليف بالمصحف تعظيم فكأنه من باب القياس تغليظا باليمين كما غلظت بالزمان والمكان الشريفين وقال القفال    : هذا مما لا يتعلق به حكم ، لأنه لا يجب ألبتة . 
 [ ص: 107 ] وأما الثالث : فلأن الناس أجمعوا على تأجيل الشفعة في قريب من الزمان ، فجعله هو مقدرا بثلاثة ، لقوله تعالى : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام    } فهي حد القرب ، ولأنها مدة مضروبة في خيار الشرط ، وفي مقام المسافر ، وفي أكثر مدة المسح - وكذلك القول في البواقي ، فإنه استحسن مراسيل سعيد  ، لأنه وجدها مسندة وأنه لا يرسل إلا عن صحابي فظهر بذلك أن  الشافعي  حيث قال به كان لدليل ، لا باعتبار ميل النفس قال الإصطخري    : ولا يجوز عندنا أن يستحسن أحد القولين إلا من باب المماثلة بالاجتهاد والنظر إلى الأولى وإنما المذموم من الاستحسان  هو الذي يحدثه الإنسان عن نفسه بلا مثال ، كما في إيجاب الحد بشهود الزوايا قلت    : لكن رأيت في سنن  الشافعي    " التي يرويها  المزني  عنه . 
قال  الطحاوي    : سمعت  المزني  يقول : قال  الشافعي    : إذا علم صاحب الشفعة فأكثر ما يجوز له طلب الشفعة في ثلاثه أيام ، فإذا كان في ثلاثه أيام لم يجز طلبه هذا استحسان مني وليس بأصل انتهى والمشكل فيه قوله : " وليس بأصل " وينبغي تأويله على أن المراد ليس بأصل خاص يدل عليه ، لا نفي الدليل ألبتة وقال الغزالي  في البسيط " قال  الشافعي    : لو كان برأس المحرم هوام فنحاها تصدق بشيء ؟ ، ثم قال : لا أدري من أين قلت ما قلت قال الإمام  في النهاية " والغزالي  في البسيط " : هذا من قبيل استحسان  أبي حنيفة  وهو مشكل فالصحيح أن ذلك من  الشافعي  استحسان ، فإنه بين أنه لا أصل له قلت    : ليس هذا من الاستحسان ، بل مراد  الشافعي  أني لا أذكر دليل ما قلته لأجله ، لا أنه قاله من غير دليل بهوى نفسه وقد وقع الاستحسان في كلام  الشافعي  وأصحابه بالمعنى السابق في مواضع أخرى : ( منها ) : قال : وحسن أن يضع المؤذن إصبعه في أذنيه ، لأن حديث  بلال  اشتمل على ذلك  [ ص: 108 ] و ( منها ) : قال في الوسيط " : إن  الشافعي  ذهب في أحد قوليه لمنع قرض الجواري ممن هي حلال له ، استحسانا و ( منها ) : قال في التغليظ على المعطل : أستحسن إذا حلف أن يسأل بالله الذي خلقك ورزقك و ( منها ) : قال  الشافعي    : أستحسن أن يترك شيء من نجوم الكتابة و ( منها ) : إذا قالا : نشهد أنه لا وارث له قال  الشافعي    : سألتهما عن ذلك ، فإن قالا : هو لا نعلم ، فذا ، وإن قالوا : تيقناه قطعا فقد أخطئوا ، لكن لا ترد بذلك شهادتهما ولكن أردها استحسانا حكاه ابن الصباغ  من باب الإقرار من الشامل " و ( منها ) : قال أبو زيد  ، بعد ذكر الأوجه في الجارية المغنية : كل هذا استحسان والقياس الصحة و ( منها ) : قال الرافعي  في الإيلاء في ولي المجنونة : وحسن أن يقول الحاكم للزوج و ( منها ) : استحسان  الشافعي  تقدير نفقة الخادم و ( منها ) : قال في الوسيط " : إذا أخرج السارق يده اليسرى بدل اليمنى فالاستحسان أن لا تقطع وقالوا في تعين الرمي في النضال ومنها : قال الروياني  فيما إذا قال : أمهلوني لأسأل الفقهاء - أعني المدعي في اليمين المردودة - استحسن فيها قلوبنا إمهاله يوما وذكر ابن دقيق العيد  في كتاب اقتناص السوانح " ثلاث صور ترجع إلى الاستحسان أو المصالح قال بها الأصحاب : إحداها : الحصر الوقف ونحوه إذا بلي قيل : إنه يباع ويصرف في مصالح المسجد ومثله الجذع المنكسر والدار المنهدمة وهذا استحسان وقيل : إنه يحفظ فإنه عين الوقف فلا يباع ، وهذا القياس . 
 [ ص: 109 ] الثانية : حق التولية على الوقف  قيل : إنه للواقف وعلل بأنه المتقرب بصدقته ، فهو أحق من يقوم بإمضائها وهذا استحسان الثالثة : إذاأعار أرضا للبناء والغراس ، فبنى المستعير أو غرس ، ثم رجع واتفقا على أن يبيع الأرض والبناء لثالث بثمن واحد  فقيل : هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعاهما بثمن واحد والمذهب القطع بالجواز ، للحاجة وهذا مخالف للقياس ، فهو استحسان أو استصلاح فائدة : قيد الطبري  في العدة " محل الخلاف في الاستحسان بالمخالف للقياس ، فإن لم يكن مخالفا للقياس فهو جائز ، كما استحسن  الشافعي  الحلف بالمصحف ونظائره ، وهو راجع لما سبق . 
				
						
						
