النوع الثالث : أن يكون ، كقوله تعالى : { أحدهما عاما والآخر خاصا ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } مع قوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ففيه الأقسام الثلاثة . فإن كانا معلومين فإن علم تقدم العام وتأخر الخاص ، فأطلق في المحصول " وغيره أن الخاص يكون ناسخا ، أي : العام في ذلك الفرد الذي تناوله الخاص . وهذا حكاه الشيخ في اللمع " عن بعض الأصحاب ، وقال : إنه بناء على أن تأخر البيان عن وقت الخطاب لا يجوز ، وهو قول المعتزلة . قال : والمذهب أن يقضي بالخاص على العام مطلقا . وقيل : يتعارضان ، وهو قول القاضي . وقالت الحنفية : إن كان الخاص مختلفا فيه والعام مجمعا عليه لم يقض به على العام . وإن كان متفقا عليه قضى به على العام . وقال الهندي : ما قال في المحصول " موضعه إذا ورد بعد مظنون وقت العمل بالعام ، فإن ورد قبل حضور وقته كان الخاص المتأخر مخصصا للعام [ ص: 161 ] المتقدم . وأما من لا يجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب فعنده في الصورتين يكون الخاص خاصا ، وعليه يحمل إطلاق المحصول " ، وبذلك صرح سليم في التقريب " .
وإن علم تقدم الخاص فعندنا يبنى العام على الخاص ، وعند الحنفية : ينسخه ، وإن علم مقارنتهما فيكون الخاص مخصصا للعام . وإن جهل يبنى العام على الخاص عندنا ، وعندهم يتوقف فيه . وقال سليم : الحكم في المسألتين - أعني المقارنة وجهل التاريخ - أن يبنى العام على الخاص . وقال عيسى بن أبان : إن علم للصحابة فيه استعمال عمل به ، وإلا وجب التوقف . وإن كانا مظنونين فالحكم فيه كما كانا معلومين . إن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا قال والكرخي الإمام : فهاهنا اتفقوا على تقديم المعلوم على المظنون ، إلا إذا كان المعلوم عاما والمظنون خاصا ووردا معا ، وذلك مثل . قال تخصيص الكتاب والخبر المتواتر بخبر الواحد والقياس الهندي : وهو غير مرضي ، لإشعاره بأن ذلك يختص بحالة ورودهما معا ، لكنه ليس كذلك لأمرين : ( أحدهما ) : لو ، وكان قبل حضور وقت العمل بالعام المعلوم ، كان أيضا مخصصا وكان اختلاف الناس فيه كما في المتقارنين . نعم ، يستقيم ذلك على مذهب تأخر الخاص المظنون عن العام المعلوم المعتزلة . و ( ثانيهما ) : لو فإنه يبنى العام عليه عندنا ، وهو تقديم الخاص المظنون على العام المعلوم ، مع أنهما لم يردا معا . وحينئذ فالحكم في هذا تقديم المعلوم على المظنون إلا في هذه الصور الثلاث : الصورة التي ذكرها تقدم الخاص المظنون على العام المعلوم الإمام ، والصورتين اللتين ذكرناهما . .