رابعها أن يكون ، قال فالصحيح تقديم المثبت ، ونقله أحدهما مثبتا والآخر نافيا وهما شرعيان إمام الحرمين عن جمهور الفقهاء ، لأن معه زيادة علم ولهذا قدموا خبر في صلاته عليه الصلاة والسلام داخل البيت على خبر بلال أنه لم يصل . وقيل : بل يقدم النافي . أسامة
[ ص: 199 ] وقيل : بل هما سواء ، لاحتمال وقوعها في الحالين ، واختاره في المستصفى " ، بناء على أن الفعلين لا يتعارضان ، وهو قول القاضي عبد الجبار . قال الباجي : وإليه ذهب شيخه أبو جعفر ، وهو الصحيح . وقيل : إلا في الطلاق والعتاق . وفصل إمام الحرمين فقال : النافي إن نقل لفظا معناه النفي ، كما إذا نقل أنه لا يحل ، ونقل الآخر أنه يحل ، فهما سواء ، لأن كل واحد منهما مثبت وإن لم يكن كذلك بل أثبت أحدهما فعلا أو قولا ، ونفاه الآخر بقوله : " ولم يقله " ، أو " لم يفعله " ، فالإثبات مقدم ، لأن الغفلة تتطرق إلى المصغي والمستمع وإن كان محدثا . وحكى ابن المنير عن إمام الحرمين أنه فصل بين إمكان الاطلاع على النفي يقينا بضبط المجلس وتحقق السكوت ، أو لا ، فإن اطلع على النفي يقينا وادعى سببا يوصل لليقين تعارضا ولا يرجح الإثبات والنفي . وقال إلكيا : إذا استفسر النافي ، فإن أخبر عن سبب علمه بالنفي صار هو والمثبت سواء ، ولهذا لم يرجح تعارض رواية النفي والإثبات وكانا جميعا شرعيين رواية نفي الصلاة على شهداء أحد على رواية الإثبات ، لأن النفي اعتضد بمزيد ثقة ، وهو أن الراوي الشافعي جابر ، والمقتول عم أحدهما ووالد الآخر ، ولا يخفى ذلك عليهما . وإن قال النافي : لم أعلم بما يزيله ، فعدم العلم لا يعارض الإثبات ، كرواية { وأنس أنه صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم عائشة } ، وأنكرته ، لأنها أخبرت عن علمها فلا يدفع حديث أم سلمة ، وكحديث الصلاة في عائشة الكعبة . وحاصله : إن كان النافي قد استند إلى العلم فهو مقدم على المثبت ، وفي كلام الشيخ عز الدين نحوه ، وهو حينئذ كالمثبت ، وهو نظير النفي المحصور . وقد صرح أصحابنا بقبول الشهادة فيه . وكذلك لو شهد اثنان بالقتل في وقت معين ، وآخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ولم يغب عنا ، تعارضا .
[ ص: 200 ] وبحث فيه الرافعي ، ورده النووي وقال : الصواب أن النفي إن كان محصورا يحصل العلم به ، قبلت الشهادة . وما قاله النووي صحيح ، والنفي المحصور والإثبات سيان . وقال : إن كان المثبت حكما شرعيا ، والنافي على حكم العادة فالمثبت أولى ، وإن كان الحكمان شرعيين فقد تساويا إلا أن يكون ما ورد بالنفي بين أنه لم يعلم ثبوت الحكم ، فيكون المثبت أولى ، كرواية ابن فورك في تقبيلها وهو صائم ، وأنكرته عائشة لأنها أخبرت عن عدم علمها ، وذلك لا يدفع حديث أم سلمة ، قال : وإن كان النافي أخص من المثبت فالحكم للأخص . وتحصل أن عائشة ، ( أحدهما ) : أن ينحصر النفي ، فيضاف الفعل إلى مجلس واحد لا تكرار فيه ، فحينئذ يتعارضان . ( الثانية ) : أن يكون راوي النفي له عناية به ، فيقدم على الإثبات ، كما قدم حديث المثبت يقدم إلا في صور : في ترك الصلاة على قتلى أحد ، على حديث جابر أنه صلى عليهم ، لأن أباه كان من جملة القتلى ، وكما قدم حديثه في الإفراد على حديث عقبة بن عامر في القران ، لأنه صرف همته إلى صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم منذ خرج من أنس المدينة إلى آخره . ( الثالثة ) : أن يستند نفي النافي إلى علم . .