الاعتبار الخامس - وقد سبق في ترجيح الأخبار فليأت مثله هاهنا ، فإذا كانت إحدى العلتين ناقلة عن حكم العقل والأخرى مقررة على الأصل ، فالناقلة أولى على الصحيح كما قاله بحسب كيفية الحكم الغزالي وابن السمعاني وغيرهما ، لأن الناقلة أثبتت حكما شرعيا ، والمقررة ما أثبتت شيئا ومنهم من قال : المبقية أولى ، لاعتضادها بحكم العقل المستقل بالنفي لولا هذه العلة وكذا قال : ذهب أكثر أصحابنا إلى ترجيح الناقلة عن العادة ، وبه جزم الأستاذ أبو منصور إلكيا ، لأن الناقلة مستفادة من الشرع ، والأخرى ترجع إلى عدم الدليل فلا معارضة بينهما وقيل : الناقلة والموافقة للعادة سيان ، لأن لأن النسخ لأحدهما بالآخر جائز والغالب في النسخ نسخ النسخ بالعلل لا يجوز ، بخلاف الخبرين
[ ص: 222 ] ما يوافق العادة لما ينقل عنها ، فلذلك قلنا في الأخبار : إن الناقل أولى قال : وكان الأستاذ أبو منصور علي بن حمزة الطبري يفرق بين العلل والأخبار ، فيقول في فأما إذا كانت إحداهما مثبتة والأخرى نافية فقال الخبر : الناقل أولى ، وفي العلل : إن المبقية فيها على العادة أولى من الناقلة الأستاذ أبو إسحاق وغيره : تقدم المثبتة ، قال : ويعبر عن هذا بتقديم الناقلة على المبقية للأصل على ما كان قال : وربما خلط في هذين من لا تحقيق له ، وهما يجريان على معنى واحد وقال الغزالي رحمه الله : قدم قوم المثبتة على النافية ، وهو غير صحيح ، لأن النفي الذي لا يثبت إلا شرعا كالإثبات ، وإن كان نفيا أصليا رجع إلى ما قدمناه في الناقلة والمقررة ، وقال : الصحيح أن الترجيح في العلة لا يقع بذلك ، لاستواء المثبت والنافي في الافتقار إلى الدليل قال : وإلى هذا القول ذهب أصحاب الرأي ، وهو كما قال وكأن من رجح به لاحظ إلحاقها بالخبر ، وبينهما فرق ، فإن مدار الترجيح في الأخبار على أن العقلية أشبه من الاختلاف ، ومدار الترجيح في العلل على غير ذلك من قوة المناسبة وتوفر الشواهد وهذا أجنبي عن النفي والإثبات ، فالحق - كما قال الأستاذ أبو منصور ابن المنير - إن قلنا : إن النفي فيها مستفاد من النفي الأصلي أن يلتمس الترجيح من خارج والصحيح أن النفي لا يكون مقتضى ، لأن العدم لا يقتضى كما لا يقتضي وقال ابن السمعاني : والصحيح أن التي تقتضي الحظر أولى من التي تقتضي الإباحة وقيل : هما سواء وإن كانت إحداهما تقتضي حدا والأخرى تسقطه ، أو توجب العتق والأخرى تسقطه ، فقيل : الموجبة للعتق والمسقطة للحد أولى ، لأن العتق
[ ص: 223 ] مبني على الاتساع والتكميل ، والحد مبني على الإسقاط والدرء وقيل : على السواء ولو كانت إحداهما مبقية للعموم على عمومه ، والأخرى توجب تخصيصه قال القاضي في التقريب " فقيل : يجب ترجيح المبقية للعموم ، لأنه كالنص في وجوب استغراق الجنس ، ومن حق العلة أن لا ترفع النصوص ، فإذا أخرجت ما اشتمل عليه العام كانت مخالفة للأصول التي يجب سلامتها عنه وذهب الجمهور إلى أن المخصصة له أولى ، لأنها زائدة .