واختلف القائلون  من أصحابنا بأن الحق في واحد في أنه هل الكل  [ ص: 287 ] مصيب في اجتهاده أم لا ؟ فقيل : المخطئ في الحكم مخطئ في الاجتهاد . وقيل : الكل مصيب في الاجتهاد وإن جاز أن يخطئ في الحكم . وحكي عن أبي العباس    . واختلف القائلون بأن كل مجتهد مصيب ، فقال بعض الحنفية : إن عند الله شبها ربما أصابه المجتهد وربما أخطأه ، ومنهم من أنكر ذلك . والقائلون بالأشبه اختلفوا في تفسيره ، فقيل : تفسيره بأكثر من أنه أشبه . وقيل : الشبه عند الله في حكم الحادثة قوة الشبهة ، فهو الأمارة . وهذا تصريح بأن الحق في واحد يجب طلبه . وقيل الأشبه عند الله أنه عنده في الحادثة حكم لو نص عليه وبينه لم ينص إلا عليه . والصحيح من مذاهب أصحابنا هو الأول : أن الحق في واحد ، وما سواه باطل ، وأن الإثم مرفوع عن المخطئ . انتهى . وقال ابن الصباغ  في " العدة " : كان  أبو إسحاق المروزي   وأبو علي الطبري  يقولان : إن مذهب  الشافعي  وأصحابه أن الحق في واحد ، إلا أن المجتهد لا يعلم أنه مصيب ، وإنما يظن ذلك . وقال سليم    : ذهب  الشافعي  في أكثر كتبه إلى أن الحق فيها واحد ، وأن الله ينصب على ذلك دليلا [ إما ] غامضا وإما جليا . وكلف المجتهد طلبه وإصابته بذلك الدليل ، فإذا اجتهد وأصابه كان مصيبا عند الله وفي الحكم ، وله أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته . وإن أخطأه كان مخطئا عند الله وفي الحكم ، إلا أن له أجرا على اجتهاده ، والخطأ مرفوع . 
وحكي هذا عن  مالك  ، وبه قال المريسي  وابن علية  والأصم  وزادوا فقالوا : عليه دليل مقطوع به ، ثم أخطأه ، كان آثما مضللا . 
وقال  الشافعي  رحمه الله في كتاب " إبطال القول بالاستحسان " : إن الحق عند الله واحد ، وعليه دليل ، إلا أنه لم يكلف المجتهد إصابته وإنما كلفه طلبه ، فإن أصابه كان مصيبا ، وإن أخطأ كان مخطئا عند الله ، لا في الحكم . 
 [ ص: 288 ] وحكي هذا عن  أبي حنيفة   ومالك  ، وهو اختيار  المزني    . وذهب المعتزلة  بأسرها إلى أنه ليس هناك حكم مطلوب على اليقين ، وإنما الواجب على المجتهد أن يعمل بما غلب على ظنه ويكون مصيبا . واختلفوا هل هناك أشبه مطلوب أم لا . على قولين . ومعنى الأشبه أن الله لو أنزل حكما في الحادثة لكان هو فيجب طلب ذلك الأشبه . وحكى  ابن فورك  عنهم قولا ثالثا أن الله نصب على الحكمين معا دليلا ، إلا أن الأدلة إذا تكافأت عند المجتهد وغمضت تحير . وذهب  الكرخي  وغيره من الحنفية [ إلى ] أن كل مجتهد مصيب ، وهناك أشبه مطلوب ، فإن أصابه أصاب الحق ، وإن أخطأه كان مخطئا للمطلوب مصيبا في اجتهاده ، كالقول الثاني للمعتزلة    . 
وأما الأشعرية  فالذي حكاه عنهم الخراسانيون  أبو إسحاق   وابن فورك  أن مذهبهم أن الحق في واحد ، وأن على المجتهد طلبه بالدليل . 
فإن أخطأه كان مخطئا عند الله وفي الحكم ، لقول  الشافعي  في الأول . وحكى القاضي أن  لأبي الحسين  فيها قولين : أحدهما هذا ، والثاني أنه ليس لله حكم في هذه المسائل ، وأن المأخوذ على المكلف أن يحكم بما غلب على ظنه فيها ، واختار هذا ونصره ، وقال : ليس هناك أشبه مطلوب ، ولا دليل منصوب مثل القول الأول للمعتزلة    . انتهى . وقال  الأستاذ أبو منصور البغدادي    : اختلف أصحابنا في تصويب المجتهدين في الفروع : - فمنهم من قال : إن الحق في كل واحد ، وهو المطلوب ، وعليه دليل منصوب ، والذي يؤدي إلى غيره شبهة وليس بالدليل ، وهؤلاء يقولون : إن الله كلف المجتهدين إصابة الحق بالدليل الذي نصبه عليه ، ومن أخطأه كان معذورا على خطئه مثابا على قصده ، قال : وهذا هو الصحيح  [ ص: 289 ] المشهور من مذاهب  الشافعي  وأصحابه ، وبه قال ابن علية  والمريسي    . وقال  المزني    : كل مجتهد مصيب ، إلا أن الحق في واحد من أقوالهم . 
قال أصحاب  الشافعي    : فيها مسائل نقضوا فيها الحكم على من خالفهم ، كالحكم بالنكول وسائر ما حكم به أهل العراق  بالاستحسان ، وأوجبوا الحد على واطئ الأم والبنت والأخت بعد العقد عليهن  ، وعلى المستأجرة ، وإن حكم حاكم بإسقاط الحد في ذلك . وأوجبوا إعادة الصلاة على من توضأ بنبيذ التمر  أو ترك النية أو الترتيب في الوضوء  ، وإعادة الصوم على من ترك نيته قبل الفجر  ، أو نوى في فرضه التطوع ، وكذلك نقضوا الحكم على من حكم بخلاف خبر المصراة ، وخبر الخيار في البيع ، والعرايا ، والفلس . وكان الإصطخري   والصيرفي  ينقضان الحكم على من حكم بصحة نكاح بلا ولي ولا شهادة ، أو شهادة فاسقين . وقال أصحاب الرأي قبل قول  المزني    : إن الحق في واحد إلا أن كل مجتهد مصيب ، لأنه لم يكلف إصابة الحق ، وإنما كلف فعل ما يؤدي إليه اجتهاده . 
ولذلك قال  المزني   وأبو حنيفة  فيمن صلى إلى بعض الجهات بالاجتهاد ثم علم خطأه بيقين أنه لا يلزمه الإعادة ، لأنه لم يكلف عندهما إصابة عين القبلة ، وإنما كلف الصلاة بالاجتهاد . انتهى . والذي رأيته في كتاب " فساد التقليد "  للمزني  ترجيح القول بأن الحق واحد ، وأطال في الاستدلال عليه ، ومنه إنكار الصحابة بعضهم على بعض في الفتاوى ، ولا نعلم أحدا قال لمخالفه : قد أصبت فيما خالفتني فيه ، قال : وهو قول  مالك   والليث  ، ويروى عن السمتي  أن  أبا حنيفة  قال : أحد القولين خطأ ، والإثم فيه مرفوع ، قال : وجاء عن  أبي حنيفة  أنه حكم بين خصمين في طست ثم غرمه للمقضى عليه . قال  المزني    : فلو كان يقطع بأن الذي قضى به هو الحق لما تأثم من الحق الذي ليس عليه غيره ، ولا غرم للظالم ثمن طست في حكم الله أنه ظالم بمنعه إياه من صاحبه ، قال : ولكنه عندي  [ ص: 290 ] خاف أن يكون قضى عليه بما أغفل منه وظلمه من حيث لا يعلم ، فتورع فاستحل ذلك منه وغرمه له ، ولو كان غرمه له وهو يستيقن أنه ليس عليه إلا طلب الثواب لما خفي عليه أن إعطاءه لمحتاج أعظم لأجره . انتهى . 
وقال في " المنخول " : ذهب  الشافعي  والأستاذ أبو إسحاق  وجماعة من الفقهاء إلى أن المصيب واحد ، وصار القاضي وأبو الحسين  في طبقة المتكلمين  إلى أن كل واحد مصيب ، والغلاة منهم أثبتوا أو نفوا مطلوبا معينا . وعزا القاضي مذهبه للشافعي  وقال : لولاه لكنت لا أعده من أحزاب الأصوليين . ثم قال : والمختار عندنا أن كل مجتهد مصيب في عمله قطعا . وقال في " المستصفى " : المختار عندنا وهو الذي يقطع به ويخطئ المخالف فيه ، أن كل مجتهد مصيب في الظنيات ، وأنه ليس فيها حكم معين لله تعالى . وقال إلكيا    : انقسموا على قسمين : غلاة ومقتصدة . فالغلاة افترقوا من وجهين : ( أحدهما ) ذهب بعضهم إلى أنه يجوز لكل منها أن يأخذ بالتحريم والتحليل من غير اجتهاد ، إذا علم أنه يستدرك كل واحد منهم بالاجتهاد ، ويأخذ بما يشاء . وقال الأستاذ أبو إسحاق    : هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة ، أما السفسطة فلكونه حلالا حراما في حق كل واحد ، وأما الزندقة فهو مذهب أصحاب الإباحة . و ( الثاني ) ذهب بعضهم إلى أن المطالب متعددة . فلا بد من أصل الاجتهاد ، ولكن المطلوب من كل مجتهد ما يؤدي إليه الاجتهاد .  [ ص: 291 ] وأما المقتصدة فقالوا : كل مجتهد مصيب في عمله قطعا ، ولا يقطع بإصابة ما عند الله ، وادعوا أن في الآراء المختلفة حكما عند الله هو أشبه بالصواب ، وهو شوق المجتهدين ومطلوب الباحثين ، وربما عبر عنه بأنه الحق والصواب ، غير أن المجتهد لم يكلف غير إصابته . وهذا القول عن  أبي حنيفة  نصا . وأما القائلون بأن الحق في واحد فيما دل عليه دليل ، والمجتهد مقصر بالنظر فيه والمصير إليه ، ومن قصر في ذلك ولم يصر إليه فإنه مخطئ فيه ، ويختلف خطؤه على قدر ما يتعلق به الحكم ، فقد يكون كبيرة ، وقد يكون صغيرة . وهذا مذهب الغلاة ، ومنهم الأصم  والمريسي  ، وهو قول أصحاب الظواهر فيما طريقه الاستدلال . وقيل : في واحد منهما وعليه دليل ، إلا أن المجتهد إذا لم يصل إليه لدقته وغموض طريقه فهو معذور آثم ، وهو قول أكثر أصحاب  الشافعي  ونفر من الحنفية . وحكي . عن  الشافعي  أنه قال في الفروع التي لها أصل واحد وهو الذي يسمى طريق إثباتها القياس الجلي ، والقياس المعنى أن المصيب فيها واحد ، والفروع التي تتجاذبها أصول كثيرة ويسمى طريق إثباتها قياس علية الأشباه أن كل مجتهد فيها مصيب ، وهو الذي حكاه عنه المحصلون . وقال في بعض مجموعاته في جواب سئل عنه في قوله : إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، أنه لو كان أحد القولين خطأ لم يجز أن يثاب عنه ، لأن الثواب لا يكون فيما لا يسوغ ، ولا في الخطأ الموضوع . 
 [ ص: 292 ] ثم قال : لو كان خطأ قصارى أمره أن يغفر له ، فكيف يطمع في الثواب على خطأ لم يصنعه . وقد تكررت ألفاظه في كتبه على موافقة ما حكيناه عنه من أن كل مجتهد مصيب ، والفرق بين ما حكينا عن  أبي حنيفة  آخرا وبين قول المخالف أن  أبا حنيفة  يقول : إن المجتهد لم يكلف الأشبه ، والذي هو الحق عند الله . وهؤلاء يقولون أنه كلف إصابته ولكنه يكون معذورا إن كان خطؤه صغيرا . واختلف القائلون باتحاد الحق في هذه المسائل ، فقيل : يمنع من ورود التعبد في الفروع بالأحكام المتضادة وقيل : السمع هو الذي يمنع من ذلك . وقال ابن برهان  في " الأوسط " : المنقول عن  الشافعي  أن المصيب واحد ، وأن الحق في جميعه واحد . وذهب شيخنا أبو الحسن الأشعري  والمعتزلة  والحنفية إلى أن كل مجتهد مصيب ، وأن المطالب متعددة ، وهو مذهب القاضي  ، أي أن المصوبة انقسموا إلى غلاة ومقتصدة . 
وذكر نحو ما قاله إلكيا    . وقال في " القواطع " : ظاهر مذهب  الشافعي  أن المصيب من المجتهدين واحد ، والباقون مخطئون ، غير أنه خطأ يعذر فيه المخطئ ولا يؤثم . وقد قال بعض أصحابنا إن هذا قول  الشافعي  ومذهبه ولا يعرف له قول سواه ، وبه قال بعض الحنفية . وقال بعض أصحابنا :  للشافعي  قولان : ( أحدهما ) ما قلناه ، و ( الآخر ) أن كل مجتهد مصيب ، وهو ظاهر قول  مالك  وإليه ذهب أكثر الحنفية ونقلوه عن  أبي حنيفة  ، وهو قول أبي الحسن الأشعري  والمعتزلة    . وقال الأصم  وابن علية  والمريسي    : إن الحق في واحد ، ومخالفه خطأ وصاحبه مأثوم ، قال : وقال أبو زيد  في أصوله " : قال فريق من المتكلمين    : الحق في هذه الحوادث التي يجوز الفتوى في أحكامها بالقياس والاجتهاد حقوق ، وكل مجتهد مصيب للحق بعينه . 
ثم إنهم افترقوا ، فقال  [ ص: 293 ] قوم : الجميع حق على التساوي . وقال قوم : الواحد من الجماعة أحق ، وسموه ( تقويم ذات الاجتهاد ) وقال بعض أهل الفقه : والكلام الحق عند الله واحد ثم افترقوا فقال قوم : إذا لم يصب المجتهد الحق عند الله كان مخطئا ابتداء وانتهاء ، حتى أن عمله لا يصح . وقال علماؤنا : كان مخطئا للحق عند الله مصيبا في حق عمله حتى لو عمله يقع به صحيحا شرعا . كأنه أصاب الحق عند الله . قال : وبلغنا عن  أبي حنيفة  أنه قال ليوسف بن خالد السمتي    : كل مجتهد مصيب ، والحق عند الله واحد ، فبين أن الذي أخطأ ما عند الله سبحانه مصيب في حق عمله ، وقال  محمد بن الحسن  في كتاب الطرق : إذا تلاعن الزوجان ثلاثا ثلاثا ، وفرق القاضي بينهما ، نفذ قضاؤه وقد أخطأ السنة . فجعل قضاءه في حقه صوابا مع قوله إنه مخطئ الحق عند الله . قال أبو زيد    : وهذا قول التوسط بين الغلو والنقص . 
واعلم أن هذا القول هو القول بالأشبه ، وهو أن يكون المجتهد مصيبا في اجتهاده مخطئا في حكمه ، قالوا : وما كلف الإنسان إصابة الأشبه ونقل بعضهم هذا نصا عن  أبي حنيفة   ومحمد    . وحكي القول بالأشبه عن أبي علي الجبائي    . قال ابن السمعاني    : والصحيح من هذه الأقاويل أن الحق عند الله واحد ، والناس بطلبه مكلفون إصابته  ، فإذا اجتهدوا وأصابوا حمدوا وأجروا . وإن أخطئوا عذروا ولم يأثموا . إلا أن يقصروا في أسباب الطلب . وهذا هو مذهب  الشافعي  رضي الله عنه وهو الحق ، وما سواه باطل . ثم يقول : إنه مأجور في الطلب إذا لم يقصر وإن أخطأ الحق ، ومعذور على خطئه وعدم إصابته للحق . وقد يوجد  للشافعي  في بعض كلامه ومناظراته مع خصومه أن المجتهد إذا اجتهد فقد أصاب . وتأويله أنه أصاب عن نفسه بأنه بلغ عند نفسه مبلغ الصواب ، وإن لم يكن أصاب عين الحق . واعلم أنه لا يصح على مذهب  الشافعي  إلا ما قلناه ، ومن قال غير هذا  [ ص: 294 ] فقد أخطأ على مذهبه ، وقال ما قال عن شهواته . انتهى . 
وقال  القاضي الحسين  في تعليقه " : المختار أن كل مجتهد مصيب ، إلا أن أحدهم يصيب الحق عند الله ، والباقون يصيبون الحق عند أنفسهم . وحكى  ابن فورك  عن بعضهم أنه قال : إن المجتهد مصيب عند الله عندي . وليس هذا موضع خلاف ، لأن القائل بذلك غير متيقن أن كلا مصيب عند الله ، فلذلك قيده بقوله " عندي " ولذلك يقول : إن المخالف له مصيب عند الله عنده ، فهذا كلام لا حاصل له . قلت    : والحاصل في المسألة على مذهبنا ثلاثه طرق : أحدها : قال الرافعي    : وهي الأشهر : إثبات قولين  للشافعي  وهي التي حكاها  أبو حامد  وغيره من أصحابنا وأصحهما - وهو الذي ذكره في كتبه الجديدة - أن المجتهد مأمور بإصابة الحق ، ومن ذهب إلى غيره فهو مخطئ . وقال ابن القطان   وابن فورك  في كتابيهما : إن هذا مذهب  الشافعي  ، لأنه قال في " كتاب القضاء " وفي " الرسالة " : وكل مجتهدين اختلفا في شيء فالحق في واحد من قولهما . 
قالا : هذا هو مذهبه ولا معنى للاشتغال بأشياء أطلقها وكان مراده فيها ما عرف من مذهبه . انتهى . وهذا ما حكاه الأشعري  بخراسان  عنه وعن المعتزلة  أن كل مجتهد مصيب . قال ابن الصباغ    : ونسبة هذا إلى الأشعري  أشهر ، لأن كلا منهم مأمور بالعمل بما أدى إليه اجتهاده ، وغير الحق لا يؤمر بالعمل به . وعلى هذا فهل يقول : الحكم والحق على كل واحد من المجتهدين ما غلب على ظنه ، أو يقول : الحق واحد وهو أشبه مطلوب ، إلا أن كل واحد منهم مكلف بما غلب على ظنه لإصابة الأشبه ؟ فيه وجهان : أصحهما : الأول ، واختاره  القاضي الحسين  والغزالي  وحكاه ابن الصباغ  عن المعتزلة  والأشعرية    . قال  القاضي الحسين    : لأنه يجوز أن يكون  [ ص: 295 ] المقصود من الأمر شيئا واحدا ، والمطلوب من المأمور غيره ، ألا ترى أن من أبق عبده فقال لعبيده : اطلبوه . فالمقصود من الأمر وجود الآبق ، ومن العبيد طلبه فحسب ، فإن لم يجدوه فما ذمهم من حيث لم يتوانوا فيه فكذا هنا . 
- وبالثاني أجاب أصحابنا العراقيون  ، كما قال الرافعي  وحكوا عن  القاضي أبي حامد  ، وزعم القاضي  في " التقريب " أن كلام  الشافعي  في " الرسالة " وفي " كتاب الاستحسان " وفي " رسالة المصريين " محتمل ، وأن الأظهر من كلامه والأشبه بمذهبه ومذهب أمثاله من العلماء القول بأن كل مجتهد مصيب . وتابعه إمام الحرمين  فقال : ليس  للشافعي  نص في المسألة على التخصيص لا نفيا ولا إثباتا ، وإنما اختلفت النقلة عنه في استنباطهم من كلامه . وليس كما قال ، بل نصوصه في " الرسالة " وغيرها طافحة به . والطريق الثاني - القطع بالأول ، ويحكى عن  أبي إسحاق المروزي   وأبي علي الطبري  والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني  وأبي إسحاق الرازي    . وهو اختيار  القاضي أبي الطيب    . والثالث - التفصيل بين قياس العلة وقياس الشبه ، وهذه طريقة إلكيا  في النقل عن  الشافعي  كما سبق ، وكذلك نقلها عنه صاحب " الكبريت الأحمر " قال : زل كثير من الناس فظنوا أن مذهب  الشافعي  أن الحق في واحد في جميع المواضع ، وإلا فكيف كان يسوغ له مخالفة  أبي حنيفة  في كثير من الأحكام ، فلهذا قال : ما ليس له أصل مقيس عليه إلا واحد فالحق فيه واحد ، لأنه مستفاد من دليل واحد ، وأما ما تجاذبه أصلان فأكثر فكل مجتهد فيه مصيب . 
قلت    : وهذا لا يعرفه أصحاب  الشافعي    . . 
				
						
						
