مسألة هل يجب على العامي التزام تقليد معين في كل واقعة ؟  فيه وجهان  [ ص: 374 ] قال إلكيا    : يلزمه . - وقال ابن برهان    : لا ، ورجحه النووي  في ( أوائل القضاء ) وهو الصحيح ، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم من غير تقليد . وقد رام بعض الخلفاء زمن  مالك  حمل الناس في الآفاق على مذهب  مالك  فمنعه  مالك  واحتج بأن الله فرق العلم في البلاد بتفريق العلماء فيها ، فلم ير الحجر على الناس ، وربما نودي : " لا يفتى أحد  ومالك  بالمدينة " قال ابن المنير    : وهو عندي  محمول على أن المراد : لا يفتى أحد حتى يشهد له  مالك  بالأهلية . وذكر بعض الحنابلة أن هذا مذهب  أحمد  ، فإنه قال لبعض أصحابه : لا تحمل على مذهبك فيحرجوا ، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس . وسئل عن مسألة من الطلاق فقال : يقع يقع ، فقال له القائل : فإن أفتاني أحد أنه لا يقع ، يجوز ؟ قال : نعم ودله على حلقة المدنيين في الرصافة    . فقال : إن أفتوني جاز ؟ قال : نعم . وقد كان السلف  يقلدون من شاءوا قبل ظهور المذاهب الأربعة ، وقد قال النبي الصلاة والسلام عليه { إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه   } . - وتوسط ابن المنير  فقال : الدليل يقتضي التزام مذهب معين بعد الأئمة الأربعة ، لا قبلهم . والفرق أن الناس كانوا قبل الأئمة الأربعة لم يدونوا مذاهبهم ولا كثرت الوقائع عليهم ، حتى عرف مذهب كل واحد منهم في كل الوقائع وفي أكثرها ، وكان الذي يستفتي  الشافعي    - مثلا - لا علم له بما يقوله المفتي ، لأنه لم يشتهر مذهبه في تلك الواقع ، أو لأنها ما وقعت له قبل ذلك ، فلا يتصور أن يعضده إلا سر خاص ، وأما بعد أن فهمت المذاهب ودونت واشتهرت وعرف المرخص من المشدد في كل  [ ص: 375 ] واقعة ، فلا ينتقل المستفتي - والحالة هذه - من مذهب إلى مذهب إلا ركونا إلى الانحلال والاستسهال . وحكى الرافعي  عن  أبي الفتح الهروي  أحد أصحاب الإمام أن مذهب عامة أصحابنا أن العامي لا مذهب له . 
				
						
						
