[ ص: 5 ] قد عرفت أن الخطاب كما يرد بالاقتضاء والتخيير فكذا يرد بالحكم الوضعي ، لكون الشيء سببا ، وشرطا ، ومانعا كما سبق ، فعلى هذا : لله في كل واقعة رتب الحكم فيها على وصف أو حكمة حكمان
أحدهما : نفس الحكم المرتب على الوصف .
وثانيهما : سببية ذلك الوصف ، والمغايرة بينهما ظاهرة ، إذ صحة القياس في الأول متفق عليها بين القائسين ، وفي الثاني مختلف فيها ملك النصاب سبب وجوب الزكاة
مثاله : ملك النصاب سبب وجوب الزكاة ; فالملك حكم شرعي ، وهو ذات السبب ، وكونه سببا عبارة عن خطاب الشارع : إن جعلت الملك أمارة وجوب الزكاة ، ووجوب الزكاة عند وجود الملك ، والحول حكم آخر ، وهو الحكم الأصلي المقصود في نفسه ، وقد سبق في الكلام على الخطاب الخلاف في ثبوت خطاب الوضع ، وأنه في الحقيقة لا يخرج عن خطاب التكليف .
وضعفه المتأخرون أيضا ، لأن القائلين بإثبانه إن أرادوا بالسببية أنها [ ص: 6 ] معرفة للحكم فحق لكنها ليست بحكم شرعي ، وإن أرادوا تأثير الزنا في وجوب الحد فباطل ، لأن الزنا حال حصوله سبب إن لم يصدر عن الشارع شيء فليس لهذه السببية معنى ، فإن صدر فالصادر إما الحكم أو شيء مؤثر في الحكم أو غيرهما ، فإن كان الأول فالمؤثر هو الشارع ، والثاني هو القول بالحسن والقبح وهو باطل ، والثالث اعتراف بأنه ليس بحكم وهو المطلوب ، لا يقال : فقد أجروا القياس في الأسباب ، فقالوا : نصب الزنا علة الرجم ، واللواط في معناه ، لأنا نقول : نمنعه كالحنفية ، وإن سلمناه فلا يكون حكما شرعيا ، فقد أجروا القياس في اللغات وليس ذلك حكما شرعيا .