[ ص: 79 ] هل تتفاوت العلوم ؟ فيه قولان : قال في البرهان " : وأئمتنا على التفاوت ، وقرره
المازري . وقال
الأرموي في التحصيل " : إنه الحق ، وقال
ابن التلمساني ، المحققون على عدم تفاوتها ، وإنما التفاوت بحسب المتعلقات ، واختاره
إلكيا الطبري في كتاب الترجيح " ،
والإمام في البرهان " ،
والأنباري في شرحه ، ونقل في البرهان " في الترجيح عن الأئمة أن المعقولات لا ترجيح فيها .
قلت : بناء على أنه لا يمكن تعارضها بخلاف تفاوتها في رتبتها فإنه ممكن عند المحققين . واختار
الإمام في تفسيره عدم التفاوت في نفس العلم ، بل في طريقه بالنسبة إلى كثرة المقدمات وقلتها ووضوحها وخفائها
[ ص: 80 ] وقال
القرافي : وقعت هذه المسألة بين
الشيخ عز الدين والأفضل الخونجي . واختار
الشيخ عدم التفاوت ، وعكس
الخونجي . قال
القرافي : ولأجل التفاوت قال أهل الحق : رؤية الله يعني في الآخرة للمؤمنين عبارة عن خلق علم به هو أجلى من مطلق العلم نسبته إليه كنسبة إدراك الحس إلى المحس به . قال : وكذلك سماع الكلام النفساني . قال : وهذه عقائد لا تتأتى إلا على القول بعدم التفاوت . ا هـ .
وظاهر كلام
الصيرفي أنه لا تتفاوت . قال : وإنما جاء ذلك من جهة أن بعض الدلائل أوضح من بعض كالبصر المدرك لما قرب إليه إدراكا بخلاف ما بعد منه عن المسافة ، وإن كان الإدراك من جوهر واحد ، فمنه ما يقع جليا ، ومنه ما يقع مع التحديق والتأمل ، وكذلك منزلة الفكر والتدبر ، وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال الشاشي تفاوتها ، فإنه قال : امتحن الله عباده ، وفرق بين وجوه العلم ، فجعل منه الخفي ومنه الجلي ; لأن الدلائل لو كانت كلها جلية لارتفع التنازع وزال الاختلاف ، وما احتيج إلى تدبر وفكر ، ولبطل الابتلاء ، ولم يقع الامتحان ، ولا وجد شك ولا ظن ولا جهل ; لأن العلم حينئذ يكون طبقا . ولو كانت كلها خفية لم يتوصل إلى معرفة شيء منها ، إذ الخفي لا يعلم بنفسه ، وإلا لكان جليا . قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } قال : وإذا ثبت أنه ليس بخفي ولا جلي ثبت أن منه ما هو جلي ، ومنه ما هو خفي . ا هـ
[ ص: 81 ]
فحصل وجهان لأصحابنا أصحهما : التفاوت ، وعلى هذا وقع الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ، وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
ليس الخبر كالمعاينة إن موسى لم يلق الألواح لما سمع عن قومه وألقاها حين رآهم } . وقال أئمة الحقيقة : العلم بالله إن كان بالأدلة فهو علم اليقين ، فإذا قوي فهو عين اليقين ، فإذا فني فيه فهو حق اليقين . ويقال : علم اليقين كالناظر إلى البحر ، وعين اليقين كراكب البحر ، وحق اليقين كمن غرق في البحر . ا هـ . وقد أورد على القائلين بعدم التفاوت أنه يكون علم الأمم مماثلا لعلوم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، ولا شك أن علمهم مفاوت لعلمنا وكذلك رجحان بعض المؤمنين على بعضهم في المعارف .
وأجيب بوجهين : أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على صفة للباري تعالى لم يطلع عليها غيره ، فيكون ذلك راجعا إلى زيادة علم بمعلوم آخر ، وليس ذلك تفاوتا في العلم . الثاني : يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم علم ربه بوجوه أدلة لم نطلع نحن على جميعها ، فيرجع التفاوت إلى أعداد المعلوم ، لا إلى نفس العلم . وأما رجحان المؤمنين بعضهم على بعض فمحمول على زيادة المعارف وتواليها إذا حصلت بلا فترة ، ولا غفلة
[ ص: 82 ] ثم إذا ظهر التفاوت بهذا الاعتبار تفاوت العارفون باعتبار قلة الغفلة وكثرتها ، وقلة المعارف وكثرتها ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62325لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا } فهذا إشارة إلى كثرة المعلومات لا إلى التفاوت في العلم الواحد بالمعلوم الواحد . ولو كانت الإشارة إلى هذا لقال : لو تعلمون كما أعلم فهذه عبارة التفاوت في نفس العلم ، وقال أيضا في التفاوت باعتبار اعتراض الغفلات قلة وكثرة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62326لو تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة } مشيرا إلى أن الغفلة تختلسهم في غيبتهم عنه وتتحاماهم بحضرته تلك الحضرة المقدسة صلوات الله على صاحبها وسلامه . فإن قيل : إذا تعذر التفاوت في ذوات العلوم ، فلم لا أضيف التفاوت إلى طرقها ؟ فمنها البديهي ، ومنها النظري . قلنا : إذا حققت الحقائق فكل علم نظري يتوقف على علم بمقدمتين لا يزيد ولا ينقص . فإن قلت : فنرى بعض المعارف يصعب وبعضها يسهل .
قلت : ذلك التفاوت يظن به أنه نشأ عن كثرة المقدمات للعلم الواحد ، وليس كذلك ، وإنما هي معلومات ترتب بعضها على بعض ، ولكل معلوم مقدمتان ، فما جاء التفاوت إلا من جهة كثرة المحصل من المعارف ، وقلته لا من بعد الطريق وقربها ، والمعلوم واحد .
[ ص: 79 ] هَلْ تَتَفَاوَتُ الْعُلُومُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ : قَالَ فِي الْبُرْهَانِ " : وَأَئِمَّتُنَا عَلَى التَّفَاوُتِ ، وَقَرَّرَهُ
الْمَازِرِيُّ . وَقَالَ
الْأُرْمَوِيُّ فِي التَّحْصِيلِ " : إنَّهُ الْحَقُّ ، وَقَالَ
ابْنُ التِّلِمْسَانِيُّ ، الْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ تَفَاوُتِهَا ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقَاتِ ، وَاخْتَارَهُ
إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ فِي كِتَابِ التَّرْجِيحِ " ،
وَالْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ " ،
وَالْأَنْبَارِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَنَقَلَ فِي الْبُرْهَانِ " فِي التَّرْجِيحِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمَعْقُولَاتِ لَا تَرْجِيحَ فِيهَا .
قُلْت : بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَارُضُهَا بِخِلَافِ تَفَاوُتِهَا فِي رُتْبَتِهَا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ . وَاخْتَارَ
الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ عَدَمَ التَّفَاوُتِ فِي نَفْسِ الْعِلْمِ ، بَلْ فِي طَرِيقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ وَقِلَّتِهَا وَوُضُوحِهَا وَخَفَائِهَا
[ ص: 80 ] وَقَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ
الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ وَالْأَفْضَلِ الْخُونَجِيِّ . وَاخْتَارَ
الشَّيْخُ عَدَمَ التَّفَاوُتِ ، وَعَكَسَ
الْخُونَجِيُّ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَلِأَجْلِ التَّفَاوُتِ قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ : رُؤْيَةُ اللَّهِ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عِبَارَةٌ عَنْ خَلْقِ عِلْمٍ بِهِ هُوَ أَجْلَى مِنْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ إدْرَاكِ الْحِسِّ إلَى الْمُحَسِّ بِهِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ . قَالَ : وَهَذِهِ عَقَائِدُ لَا تَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّفَاوُتِ . ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ
الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ لَا تَتَفَاوَتُ . قَالَ : وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضَ الدَّلَائِلِ أَوْضَحُ مِنْ بَعْضٍ كَالْبَصَرِ الْمُدْرِكِ لِمَا قَرُبَ إلَيْهِ إدْرَاكًا بِخِلَافِ مَا بَعُدَ مِنْهُ عَنْ الْمَسَافَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْإِدْرَاكُ مِنْ جَوْهَرٍ وَاحِدٍ ، فَمِنْهُ مَا يَقَعُ جَلِيًّا ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مَعَ التَّحْدِيقِ وَالتَّأَمُّلِ ، وَكَذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْفِكْرِ وَالتَّدَبُّرِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15022الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ تَفَاوُتُهَا ، فَإِنَّهُ قَالَ : امْتَحَنَ اللَّهُ عِبَادَهُ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ وُجُوهِ الْعِلْمِ ، فَجَعَلَ مِنْهُ الْخَفِيَّ وَمِنْهُ الْجَلِيَّ ; لِأَنَّ الدَّلَائِلَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا جَلِيَّةً لَارْتَفَعَ التَّنَازُعُ وَزَالَ الِاخْتِلَافُ ، وَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَدَبُّرٍ وَفِكْرٍ ، وَلَبَطَلَ الِابْتِلَاءُ ، وَلَمْ يَقَعْ الِامْتِحَانُ ، وَلَا وُجِدَ شَكٌّ وَلَا ظَنٌّ وَلَا جَهْلٌ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ حِينَئِذٍ يَكُونُ طَبَقًا . وَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا خَفِيَّةً لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْهَا ، إذْ الْخَفِيُّ لَا يُعْلَمُ بِنَفْسِهِ ، وَإِلَّا لَكَانَ جَلِيًّا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } قَالَ : وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَفِيٍّ وَلَا جَلِيٍّ ثَبَتَ أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ جَلِيٌّ ، وَمِنْهُ مَا هُوَ خَفِيٌّ . ا هـ
[ ص: 81 ]
فَحَصَلَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا : التَّفَاوُتُ ، وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَحَقِّ الْيَقِينِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ إنَّ مُوسَى لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ لَمَّا سَمِعَ عَنْ قَوْمِهِ وَأَلْقَاهَا حِينَ رَآهُمْ } . وَقَالَ أَئِمَّةُ الْحَقِيقَةِ : الْعِلْمُ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ بِالْأَدِلَّةِ فَهُوَ عِلْمُ الْيَقِينِ ، فَإِذَا قَوِيَ فَهُوَ عَيْنُ الْيَقِينِ ، فَإِذَا فَنِيَ فِيهِ فَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . وَيُقَالُ : عِلْمُ الْيَقِينِ كَالنَّاظِرِ إلَى الْبَحْرِ ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ كَرَاكِبِ الْبَحْرِ ، وَحَقُّ الْيَقِينِ كَمَنْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ . ا هـ . وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّفَاوُتِ أَنَّهُ يَكُونُ عِلْمُ الْأُمَمِ مُمَاثِلًا لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَهُمْ مُفَاوِتٌ لِعِلْمِنَا وَكَذَلِكَ رُجْحَانُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي الْمَعَارِفِ .
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى صِفَةٍ لِلْبَارِي تَعَالَى لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ بِمَعْلُومٍ آخَرَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَفَاوُتًا فِي الْعِلْمِ . الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ رَبُّهُ بِوُجُوهِ أَدِلَّةٍ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِهَا ، فَيَرْجِعُ التَّفَاوُتُ إلَى أَعْدَادِ الْمَعْلُومِ ، لَا إلَى نَفْسِ الْعِلْمِ . وَأَمَّا رُجْحَانُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعَارِفِ وَتَوَالِيهَا إذَا حَصَلَتْ بِلَا فَتْرَةٍ ، وَلَا غَفْلَةٍ
[ ص: 82 ] ثُمَّ إذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَفَاوَتَ الْعَارِفُونَ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْغَفْلَةِ وَكَثْرَتِهَا ، وَقِلَّةِ الْمَعَارِفِ وَكَثْرَتِهَا ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62325لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا } فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى كَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ لَا إلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعِلْمِ الْوَاحِدِ بِالْمَعْلُومِ الْوَاحِدِ . وَلَوْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا لَقَالَ : لَوْ تَعْلَمُونَ كَمَا أَعْلَمُ فَهَذِهِ عِبَارَةُ التَّفَاوُتِ فِي نَفْسِ الْعِلْمِ ، وَقَالَ أَيْضًا فِي التَّفَاوُتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِرَاضِ الْغَفَلَاتِ قِلَّةً وَكَثْرَةً : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62326لَوْ تَكُونُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ } مُشِيرًا إلَى أَنَّ الْغَفْلَةَ تَخْتَلِسُهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ عَنْهُ وَتَتَحَامَاهُمْ بِحَضْرَتِهِ تِلْكَ الْحَضْرَةُ الْمُقَدَّسَةُ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَى صَاحِبِهَا وَسَلَامُهُ . فَإِنْ قِيلَ : إذَا تَعَذَّرَ التَّفَاوُتُ فِي ذَوَاتِ الْعُلُومِ ، فَلِمَ لَا أُضِيفَ التَّفَاوُتُ إلَى طُرُقِهَا ؟ فَمِنْهَا الْبَدِيهِيُّ ، وَمِنْهَا النَّظَرِيُّ . قُلْنَا : إذَا حُقِّقَتْ الْحَقَائِقُ فَكُلُّ عِلْمٍ نَظَرِيٍّ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمٍ بِمُقَدِّمَتَيْنِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ . فَإِنْ قُلْت : فَنَرَى بَعْضَ الْمَعَارِفِ يَصْعُبُ وَبَعْضُهَا يَسْهُلُ .
قُلْت : ذَلِكَ التَّفَاوُتُ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ نَشَأَ عَنْ كَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ لِلْعِلْمِ الْوَاحِدِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هِيَ مَعْلُومَاتٌ تَرَتَّبَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلِكُلِّ مَعْلُومٍ مُقَدِّمَتَانِ ، فَمَا جَاءَ التَّفَاوُتُ إلَّا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمُحَصَّلِ مِنْ الْمَعَارِفِ ، وَقِلَّتِهِ لَا مِنْ بُعْدِ الطَّرِيقِ وَقُرْبِهَا ، وَالْمَعْلُومُ وَاحِدٌ .