مسألة [ الحقيقة لا تستلزم المجاز ] قالوا : لا خلاف في أن ; إذ الوضع لا يستلزم الثاني ، والأصل لا يستلزم الفرع ، وليس كل الحقيقة تكون في غيرها علاقة فيها مسوغة للتجوز ، بل الحقيقة يكون لها مجاز كالبحر ، وقد لا يكون كالفرس . قال الحقيقة لا تستلزم المجاز : ومن حكم هذا أنه إذا ورد به الشرع فهل هو على حقيقته ، ولا يعدل به عنها إلى المجاز إلا بدليل ؟ وكان ينبغي أن يجيء في هذه المسألة خلاف من الخلاف في أن الأول هل يستلزم ثانيا كما فرع عليه الفقهاء ؟ إذ الحقيقة فيها قيد الأولية . ثم رأيت الشيخ أبو إسحاق في كتاب " التقريب " حكى عن بعض القاضي أبا بكر القدرية أن كل حقيقة لا بد لها من مجاز ، وما لا مجاز له فلا يقال : إن له حقيقة ، وهو يرد على حكايتهم الإجماع فيما سبق . واختلفوا في ؟ على قولين : المجاز هل يستلزم الحقيقة على معنى أنه هل يشترط في استعمال اللفظ في غير موضوعه أن تكون الحقيقة قد وجدت واستعملت في ذلك المعنى أو لا
[ ص: 103 ] أحدهما : نعم وبه جزم الشيخ في " اللمع " والقاضي أبو بكر . قال : كما أن لكل فرع أصلا ، وابن فورك وابن برهان في " الأوسط " وابن السمعاني في " القواطع " وأبو الحسين البصري في " المعتمد " ، والقاضي عبد الوهاب في " الملخص " ، والقاضي عبد الجبار والإمام فخر الدين والإبياري في " شرح البرهان " وغيرهم ، فكل مجاز لا بد أن يكون له حقيقة ; لأنه فرعها ، والفرع يستلزم الأصل ، ولأن الثاني يستدعي أولا . وأصحهما عند الآمدي : المنع ، ونقله وابن الحاجب عن المحققين واختاره ابن الساعاتي في " المرصاد " ; لأن المجاز ، وإن كان مستعملا في غير ما وضع له ففائدة الوضع التهيؤ للاستعمال ، ولأن اللفظ بعد وضعه وقبل استعماله لا حقيقة ولا مجاز ، ويجوز أن يسمى به حينئذ غيره لعلاقة بينهما فيكون مجازا لا حقيقة له . والحق : أن المجاز يفتقر إلى سبق وضع أول ، لا إلى سبق حقيقة ، وكذا قال البيضاوي الأصفهاني : الحق أن المجاز يستلزم اللفظ الموضوع ، بإزاء معنى من المعاني ، والحقيقة ليست اللفظ الموضوع بل المستعمل فيما وضع له اللفظ ، واختلف كلام الرازي في منتخبه " وأوله ابن التلمساني بأنه حيث قال : لا يستلزم ، أراد به الجواز العقلي ، وحيث يقال : يستلزمه ، أراد به الوضع ، فإنا لم نعرف أن الألفاظ موضوعة بإزاء ما دلت عليه إلا بالاستعمال ، ولا نعرف عين الواضع من توقف أو مصطلح ، وزعم بعضهم أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو في المفرد لا المركب .
[ ص: 104 ] والمانعون تمسكوا بأن الرحمن مجاز في الباري تعالى ; لأنه موضوع للواحد المذكر الموصوف بالتعطف ، وليس له حقيقة ; لأنه لم يستعمل إلا في الله ، واعترض بأنه كان يقال : رحمان اليمامة . وأجيب بأنه على سبيل المجاز أيضا ، ومعناه : منعم اليمامة ، وبأنه لا يلتفت إليهم ; لأنه تعنت منهم . وقيل : في الجواب نظر ; لأنه لا ينفي الاستعمال في حق الباري سبحانه ، غايته أنه يعلل الواقع ، وهو تأكد الاستعمال لكنه ضعيف ، إذ لا اعتداد بالاستعمال إذا كان على خلاف أصل الوضع مضادا له منافيا إياه وظهر من هذا أنه مجاز ليس بحقيقة . علي