[ ص: 68 ] ؟ هل يؤول القول بوجوب البحث في المخصص إلى القول بالوقوف في صيغ العموم
الأمر السابع : يلزم على المصحح من قول ابن سريج والجمهور القول بالوقف في صيغ العموم فإنا لم نعتقد أن اللفظ ظاهر في العموم ، ولا يجري عليه حتى يبحث عن المخصص ، فقد ترك القول بالعموم ، وصار إلى مذهب الواقفية . وعلى هذا جرى في كتابه ، وهو من ابن فورك الواقفية ، فقال : غلط علينا بعض الفقهاء ، وزعم أن المذهبين يفترقان ، فإن أبا العباس يمضي العموم إذا عدم دليل الخصوص ، ونحن نقول : بدلالة غير نفس الكلام ، قال : وليس الأمر كذلك عندنا ; بل نقول : اللفظ مشترك ، ولا نهجم على أحدهما إلا بتبين وبحث ، فإن وجدنا ما يخصه عملنا بعمومه ، ورجعنا إلى نفس الكلام بالقرينة ، ولهذا قال ابن برهان في " الأوسط " : بناء الخلاف في هذه المسألة على حرف ، وهو أن اعتقاد العموم عندنا يؤدي إلى القول بالاستغراق ، والقول بالوقف ، وعند المخالف لا يفضي إلى ذلك ، ولهذا اختار هو قول الصيرفي .
والجواب : أن مذهب ابن سريج والواقفية قد اتفق على ترك الهجوم على إمضاء الكلام على العموم قبل البحث ، إلا أن أبا العباس يمضيه على عمومه إذا عدم الدلائل الخاصة من نفسه من غير قرينة ، والواقفية يقولون لا بد من قرينة على خصوص حكم الاستيعاب .
قال إلكيا في " المدارك " : ظن الواقفية أن أبا العباس يوافقهم على مذهبهم ، فإنه قال : الألفاظ تطلق والقصد منها المعاني التي تحتها ، فيكون الكلام عاما في اللفظ والمعنى جميعا ، وقد يكون عام اللفظ ، والمراد منه معنى دون معنى ، فإذا ورد في الكلام نظرنا ، فإذا كان هناك دلائل تدل [ ص: 69 ] على أنه لمعنى دون معنى صير إلى ذلك ، وإلا أجري على عمومه .
قال : وذكر في كتاب " أحكام القرآن " ما يومئ إليه ، فإنه قال : وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب والسنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم وغيره في الأمر والنهي . على وجوب طلب الدلائل المميزة بين مواقع الكلام ، ولم يكلهم إلى نفس الكلام . الشافعي
قال : وهذا الظن غلط ، لأن أبا الحسن يرى أن اللفظ ظاهر في العموم ، والظاهر يفيد الظن ، والظن إنما ينتفي بالبحث عن المخصصات ، والواقفية لا يرون عاما لا ظاهرا ولا نصا انتهى .
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : القول بالتوقف على التخصيص ليس هو بقول الوقف ، لأن القائلين بالعموم طلبوا ما يمنع إجراؤه على ظاهره ، فإن لم يجدوا ما يوجبه عملوا بظاهر لفظه ، وأصحاب الوقف طلبوا دليله الذي يبين مراده ، فإن لم يجدوا لم يعملوا بشيء منه .
وقال : ليس هذا بآيل إلى قول الوقف في الصيغ كما ظن بعضهم ; لأن أبو الطيب الطبري ابن سريج يقول : إذا لم يجد في الأصول ما يخصه حمله على العموم ، والأشعري لا يقول ذلك ، ويتوقف فيه على الدليل ، فافترقا .
وقال سليم في " التقريب " : نحن نفارق الواقفية في الصيغ من وجهتين :
أحدهما : أنا إذا لم نجد في الأصول قرينة التخصيص أجري اللفظ على عمومه . والأشعري لا يقول ذلك ، لكن يتوقف حتى يدل الدليل على أحد الأمرين .
والثاني : أنا نطلب الدليل لإخراج ما ليس بمراد باللفظ ، والأشعري يطلب الدليل لمعرفة ما هو مراد باللفظ ، فهو لبيان المحال دون بيان العموم .