الأول
nindex.php?page=treesubj&link=21241 ( التخصيص بدليل ) العقل
يجوز التخصيص بدليل العقل ضروريا كان أو نظريا ، فالأول :
[ ص: 472 ] كتخصيص قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء } فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس خالقا لنفسه . والثاني : كتخصيص قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس } الآية فإنا نخصص الطفل والمجنون لعدم فهمهما الخطاب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني : ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر : وصورة المسألة أن الصيغة العامة إذا وردت واقتضى العقل امتناع تعميمها ، فيعلم من جهة العقل أن المراد بها خصوص ما لا يحيله العقل ، وليس المراد به أن العقل صلة للصيغة نازلة له منزلة الاستثناء المتصل بالكلام ، ولكن المراد به ما قدمناه ، أنا نعلم بالعقل أن مطلق الصيغة لم يرد تعميمها .
وقد منع بعضهم التخصيص بالعقل ، وهو ظاهر نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة " فإنه قال في باب : ما نزل من كتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء } وذكر قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها } فهذا عام لا خصوص فيه ، فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك ، فالله خالقه ، وكل دابة فعلى الله رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها . انتهى .
[ ص: 473 ] وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور عن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، لأن التخصيص من العموم لما يصح دخوله فيه ، لولا دليل التخصيص ، فأما الذي يستحيل دخوله في عموم الخطاب فليس خروجه عنه تخصيصا
وقال في كتاب التحصيل " : إن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي نص عليه ، قال في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء } : إنه عام لا خصوص فيه . واعترض
ابن داود عليه بتخصيص كلامه وصرفه عن ظاهره . وأجاب
ابن سريج nindex.php?page=showalam&ids=14667والصيرفي عنه بأن التخصيص معناه أن يخرج عن عموم اللفظ بالدليل ما كان يجوز دخول فيه من طريق العقل ; فأما الذي يستحيل دخوله في عموم اللفظ ، فإن خروجه عن الخطاب لا يكون تخصيصا . انتهى .
وفصل
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق في اللمع " بين ما يجوز ورود الشرع بخلافه ، وهو ما يقتضيه العقل من براءة الذمة ، فيمتنع التخصيص به ، لأن ذلك إنما يستدل به لعدم الشرع ، فإذا ورد الشرع سقط الاستدلال به وصار الحكم للشرع ، فأما ما لا يجوز ورود الشرع بخلافه كالذي دل العقل على نفيه ، فيجوز نحو : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء } فإن المراد ما خلا الصفات لدلالة العقل على ذلك . انتهى . وهذا يحسن أن يكون تقييدا لكلام من أطلق ، لا مذهبا آخر .
ثم قال
القاضي وإمام الحرمين وابن القشيري والغزالي وإلكيا الطبري وغيرهم : النزاع لفظي ، إذ مقتضى العقل ثابت دون اللفظ إجماعا ; لكن الخلاف في تسميته تخصيصا ، فالخصم لا يسميه ، لأن المخصص هو المؤثر في التخصيص ، وهو الإرادة لا العقل ، ولأن دليل العقل سابق ، فلا
[ ص: 474 ] يعمل في اللفظ ; بل يكون مرتبا عليه ومعنى قولنا : إنه مخصص أن الدليل دل على أن المراد به الخصوص ، ولذلك العقل هذا الحظ ، والدليل لا يخص ; ولكنه يعلم أنه القصد فلا فرق إذن بين دليل العقل والسمع في ذلك .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور : أجمعوا على صحة
nindex.php?page=treesubj&link=21241دلالة العقل على خروج شيء عن حكم العموم ، واختلفوا في تسميته تخصيصا ، ومنهم من قال : إنه معنوي ، ثم اختلفوا فقيل : وجهه عند من لا يقول به ، أن اللفظ غير موضوع له ، لأنه لا يوضع لغير المعقول ، فيكون انتفاء الحكم لعدم المقتضي ، وهو حجة ، وحقيقة عنده قطعا . ومن قال : إنه مخصص كان مجازا على الخلاف في العام إذا خص ، فيجري فيه الخلاف على هذا ، ولا يجري على الأول .
وقيل : بل الخلاف راجع إلى التحسين والتقبيح العقليين ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبي الخطاب من الحنابلة . قال : المنع بناء على أن العقل لا يحسن ولا يقبح ، وأن الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل . وأنكره
الأصفهاني .
وقال
النقشواني : الكلام ليس في مطلق العموم ; بل في العمومات الدالة على الأحكام الشرعية . فإن الفقيه لا ينظر في غير أدلة الشرع ، وكذا الأصولي . وحينئذ فالعقل لا مجال له في تحصيل هذه العمومات إلا بالنظر في دليل آخر شرعي ; فإذا فرضنا نصا يقتضي إباحة القتل ، فالعقل إنما يخصصه لو أدرك المصلحة ، وكيف يدركها ؟ فلا يخصصها . انتهى . وهذا الذي قاله مردود بما سبق عن
القاضي وغيره في تصوير المسألة .
وقال
الأستاذ أبو إسحاق : اختلفوا
nindex.php?page=treesubj&link=21242هل يدخل في العموم ما يمنع العقل إجراء الحكم فيه ؟ على قولين : أحدهما : أنه لا يتناوله ، فيخرجه به دليله . والثاني : أنه يتناوله كغيره إلا أن الدليل أوجب إخراجه عنه .
قال : وفائدة الخلاف هنا : أن اللفظ إذا ورد عنه - عليه الصلاة والسلام
[ ص: 475 ] في إسقاط أو إيجاب أو حظر أو إباحة ، فهل يستدل به على وجوب تلك الأحكام عليه أو لا ؟ هذا كلامه ، وهو أثبت معقول في هذه المسألة تنبيهان
الأول : من أمثلتهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284والله على كل شيء قدير } وينبغي أن يعلم أن الشيء مصدر شاء يشاء ، فهو من أسماء الأفعال ، فإطلاقه على الذوات من باب إطلاق المصدر على المفعول كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هذا خلق الله } أي مخلوق الله ، ونحو درهم ضرب الأمير ، أي مضروب الأمير . فقولنا : هذا شيء في الذوات ، أي مشاء ، فحقه أن يكون ما تتعلق به المشيئة ، إما بالفعل كالموجودات أو بالقوة كالمعدوم الممكن . فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إن الله على كل شيء قدير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75إن الله بكل شيء عليم } وما شاكله على عمومه ، لأن إلها ثابتا ونحوه من المحالات ، فلا تتعلق به المشيئة لا بالفعل ، ولا بالقوة ، فلا يسمى شيئا ، فلا يدخل في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إن الله على كل شيء قدير } فلا يقال : إنه عام مخصوص ، فإنه لم يدخل فيه المحال لذاته .
nindex.php?page=treesubj&link=21242والشيء عند أهل السنة يخص الموجود لا المعدوم ، خلافا
للمعتزلة ، فإنهم يقولون في المعدوم الذي يصح وجوده شيء وأما المستحيل فلا خلاف عند
المتكلمين في أنه لا شيء
وغلط
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري على
المعتزلة ، فأدخل المستحيل في اسم الشيء ، وإنما هذا مذهب النحاة ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وقع له أن الشيء عام متناول . قال : هو كما تقول : معلوم ، ولا خفاء في أن المعلوم يدخل فيه المستحيل ، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبا هاشم يقول : العلم بالمستحيل علم لا معلوم له
[ ص: 476 ] ومما يحقق أن الشيء مختص بالموجودات أنه مصدر من شاء يشاء إذا قصد ، فكأن الشيء هو المقصود إليه ، وإنما يقصد الموجود ، لا المعدوم والمستحيل . وأيضا فإطلاق الشيء على الذات الكريمة فيه خلاف ، ولئن سلم فهو من باب المشكل ; لأنه شيء قديم واجب الوجود لذاته ، لا يشاكله شيء من المخلوقات . وقيل : بل يسمى شيئا بمعنى الشائي ، والمخلوقات تسمى شيئا بمعنى المشاء ، فالمعنى مختلف . فيكون مشتركا .
الثاني : من حكم الدليل العقلي أن لا يخصص إلا بالقضايا العقلية ، ومن حكم الدليل السمعي أن لا يخصص إلا بالقضايا السمعية . والدليل العقلي لا يتصور فيه إخراج أمر خاص من خطاب عام ، وإنما يتصور ذلك في الدليل السمعي ، والدليل العقلي لا يكون إلا متقدما ، بخلاف السمعي . ذكره
العبدري في " شرح المستصفى " .
الْأَوَّلُ
nindex.php?page=treesubj&link=21241 ( التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ ) الْعَقْلِ
يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ضَرُورِيًّا كَانَ أَوْ نَظَرِيًّا ، فَالْأَوَّلُ :
[ ص: 472 ] كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ . وَالثَّانِي : كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ } الْآيَةَ فَإِنَّا نُخَصِّصُ الطِّفْلَ وَالْمَجْنُونَ لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا الْخِطَابَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ : وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصِّيغَةَ الْعَامَّةَ إذَا وَرَدَتْ وَاقْتَضَى الْعَقْلُ امْتِنَاعَ تَعْمِيمِهَا ، فَيُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا خُصُوصُ مَا لَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْعَقْلَ صِلَةٌ لِلصِّيغَةِ نَازِلَةٌ لَهُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالْكَلَامِ ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ ، أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَنَّ مُطْلَقَ الصِّيغَةِ لَمْ يُرَدْ تَعْمِيمُهَا .
وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ : مَا نَزَلَ مِنْ كِتَابٍ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَيَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ ، ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وَذَكَرَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } فَهَذَا عَامٌّ لَا خُصُوصَ فِيهِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَاَللَّهُ خَالِقُهُ ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا . انْتَهَى .
[ ص: 473 ] وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْعُمُومِ لِمَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ ، لَوْلَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ الْخِطَابِ فَلَيْسَ خُرُوجُهُ عَنْهُ تَخْصِيصًا
وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّحْصِيلِ " : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } : إنَّهُ عَامٌّ لَا خُصُوصَ فِيهِ . وَاعْتَرَضَ
ابْنُ دَاوُد عَلَيْهِ بِتَخْصِيصِ كَلَامِهِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ . وَأَجَابَ
ابْنُ سُرَيْجٍ nindex.php?page=showalam&ids=14667وَالصَّيْرَفِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ مَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ بِالدَّلِيلِ مَا كَانَ يَجُوزُ دُخُولٌ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ ; فَأَمَّا الَّذِي يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ ، فَإِنَّ خُرُوجَهُ عَنْ الْخِطَابِ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا . انْتَهَى .
وَفَصَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ " بَيْنَ مَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، فَيَمْتَنِعُ التَّخْصِيصُ بِهِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِعَدَمِ الشَّرْعِ ، فَإِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَصَارَ الْحُكْمُ لِلشَّرْعِ ، فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَاَلَّذِي دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى نَفْيِهِ ، فَيَجُوزُ نَحْوُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا خَلَا الصِّفَاتِ لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى ذَلِكَ . انْتَهَى . وَهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ ، لَا مَذْهَبًا آخَرَ .
ثُمَّ قَالَ
الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَغَيْرُهُمْ : النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ ، إذْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ثَابِتٌ دُونَ اللَّفْظِ إجْمَاعًا ; لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا ، فَالْخَصْمُ لَا يُسَمِّيهِ ، لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي التَّخْصِيصِ ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ لَا الْعَقْلُ ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ سَابِقٌ ، فَلَا
[ ص: 474 ] يَعْمَلُ فِي اللَّفْظِ ; بَلْ يَكُونُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا : إنَّهُ مُخَصِّصٌ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخُصُوصُ ، وَلِذَلِكَ الْعَقْلُ هَذَا الْحَظُّ ، وَالدَّلِيلُ لَا يُخَصُّ ; وَلَكِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ الْقَصْدُ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَ دَلِيلِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=21241دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ حُكْمِ الْعُمُومِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ مَعْنَوِيٌّ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ : وَجْهُهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ ، أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُوضَعُ لِغَيْرِ الْمَعْقُولِ ، فَيَكُونُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي ، وَهُوَ حُجَّةٌ ، وَحَقِيقَةٌ عِنْدَهُ قَطْعًا . وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ مُخَصِّصٌ كَانَ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ ، فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا ، وَلَا يَجْرِي عَلَى الْأَوَّلِ .
وَقِيلَ : بَلْ الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبِي الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ . قَالَ : الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَقْبُحُ ، وَأَنَّ الشَّرْعَ يَرِدُ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ . وَأَنْكَرَهُ
الْأَصْفَهَانِيُّ .
وَقَالَ
النَّقْشَوَانِيُّ : الْكَلَامُ لَيْسَ فِي مُطْلَقِ الْعُمُومِ ; بَلْ فِي الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . فَإِنَّ الْفَقِيهَ لَا يَنْظُرُ فِي غَيْرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ، وَكَذَا الْأُصُولِيُّ . وَحِينَئِذٍ فَالْعَقْلُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ إلَّا بِالنَّظَرِ فِي دَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ ; فَإِذَا فَرَضْنَا نَصًّا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْقَتْلِ ، فَالْعَقْلُ إنَّمَا يُخَصِّصُهُ لَوْ أَدْرَكَ الْمَصْلَحَةَ ، وَكَيْفَ يُدْرِكُهَا ؟ فَلَا يُخَصِّصُهَا . انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِمَا سَبَقَ عَنْ
الْقَاضِي وَغَيْرِهِ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَالَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ : اخْتَلَفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=21242هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلَ إجْرَاءَ الْحُكْمِ فِيهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ ، فَيُخْرِجُهُ بِهِ دَلِيلُهُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ كَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَنْهُ .
قَالَ : وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ هُنَا : أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
[ ص: 475 ] فِي إسْقَاطٍ أَوْ إيجَابٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ إبَاحَةٍ ، فَهَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ أَوْ لَا ؟ هَذَا كَلَامُهُ ، وَهُوَ أَثْبَتُ مَعْقُولٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ : مِنْ أَمْثِلَتِهِمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّيْءَ مَصْدَرُ شَاءَ يَشَاءُ ، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الذَّوَاتِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هَذَا خَلْقُ اللَّهِ } أَيْ مَخْلُوقُ اللَّهِ ، وَنَحْوُ دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ ، أَيْ مَضْرُوبُ الْأَمِيرِ . فَقَوْلُنَا : هَذَا شَيْءٌ فِي الذَّوَاتِ ، أَيْ مُشَاءٌ ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَشِيئَةُ ، إمَّا بِالْفِعْلِ كَالْمَوْجُودَاتِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَالْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ . فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَمَا شَاكَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ ، لِأَنَّ إلَهًا ثَابِتًا وَنَحْوَهُ مِنْ الْمُحَالَاتِ ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَشِيئَةُ لَا بِالْفِعْلِ ، وَلَا بِالْقُوَّةِ ، فَلَا يُسَمَّى شَيْئًا ، فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فَلَا يُقَالُ : إنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=21242وَالشَّيْءُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَخُصُّ الْمَوْجُودَ لَا الْمَعْدُومَ ، خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يَصِحُّ وُجُودُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا الْمُسْتَحِيلُ فَلَا خِلَافَ عِنْدَ
الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ
وَغَلِطَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ ، فَأَدْخَلَ الْمُسْتَحِيلَ فِي اسْمِ الشَّيْءِ ، وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ النُّحَاةِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَقَعَ لَهُ أَنَّ الشَّيْءَ عَامٌّ مُتَنَاوِلٌ . قَالَ : هُوَ كَمَا تَقُولُ : مَعْلُومٌ ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمَعْلُومَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَحِيلُ ، عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12187أَبَا هَاشِمٍ يَقُولُ : الْعِلْمُ بِالْمُسْتَحِيلِ عِلْمٌ لَا مَعْلُومَ لَهُ
[ ص: 476 ] وَمِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّ الشَّيْءَ مُخْتَصٌّ بِالْمَوْجُودَاتِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ شَاءَ يَشَاءُ إذَا قُصِدَ ، فَكَأَنَّ الشَّيْءَ هُوَ الْمَقْصُودُ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ الْمَوْجُودُ ، لَا الْمَعْدُومُ وَالْمُسْتَحِيلُ . وَأَيْضًا فَإِطْلَاقُ الشَّيْءِ عَلَى الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ فِيهِ خِلَافٌ ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُشْكَلِ ; لِأَنَّهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ ، لَا يُشَاكِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ . وَقِيلَ : بَلْ يُسَمَّى شَيْئًا بِمَعْنَى الشَّائِي ، وَالْمَخْلُوقَاتُ تُسَمَّى شَيْئًا بِمَعْنَى الْمُشَاءِ ، فَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ . فَيَكُونُ مُشْتَرِكًا .
الثَّانِي : مِنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنْ لَا يُخَصَّصَ إلَّا بِالْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ ، وَمِنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ أَنْ لَا يُخَصَّصَ إلَّا بِالْقَضَايَا السَّمْعِيَّةِ . وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إخْرَاجُ أَمْرٍ خَاصٍّ مِنْ خِطَابٍ عَامٍّ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ ، وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَقَدِّمًا ، بِخِلَافِ السَّمْعِيِّ . ذَكَرَهُ
الْعَبْدَرِيّ فِي " شَرْحِ الْمُسْتَصْفَى " .