[ ص: 50 ] الدليل يطلق في اللغة على أمرين : أحدهما : الرشد للمطلوب على معنى أنه فاعل الدلالة ، ومظهرها ، فيكون معنى الدليل الدال " فعيل " بمعنى الفاعل ، كعليم وقدير مأخوذ من دليل القوم ; لأنه يرشدهم إلى مقصودهم قال القاضي    : والدال : ناصب الدلالة ومخترعها ، وهو الله سبحانه ، ومن عداه ذاكر الدلالة . وعند الباقين الدال ذاكر الدلالة ، واستبعد ، إذ الحاكي والمدرس لا يسمى دالا ، وهو ذاكر الدلالة ، فالأولى أن يقال : الدال ذاكر الدلالة على وجه التمسك بها . ويسمى الله تعالى دليلا بالإضافة . وأنكره  الشيخ أبو إسحاق الشيرازي  في كتاب " الحدود " ، قال : ولا حجة في قولهم لله تعالى : يا دليل المتحيرين ; لأن ذلك ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ، وإنما هو من قول أصحاب العكاكين . وحكى غيره في جواز إطلاق الدليل على الله  وجهين مفرعين على أن الخلاف في أن أسماء الله هل تثبت قياسا أم لا ؟ لكن صح عن  الإمام أحمد  أنه علم رجلا أن يدعو ، فيقول : يا دليل الحيارى دلني على طريق الصادقين . الثاني : ما به الإرشاد ، أي : العلامة المنصوبة لمعرفة الدليل ، ومنه قولهم : العالم دليل الصانع ، ثم اختلفوا ، فقيل : حقيقة الدليل : الدال ، وقيل : بل العلامة الدالة على المدلول بناء على استعمال المعنيين في اللغة ، وقال صاحب الميزان " من الحنفية : الأصح : أنه في اللغة اسم للدال  [ ص: 51 ] حقيقة ، وصار في العرف اسما للاستعمال فيكون حقيقة عرفية . وفي الاصطلاح : الموصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب . قال إمام الحرمين    : ويسمى دلالة ومستدلا به ، وحجة ، وسلطانا ، وبرهانا وبيانا ، وكذلك قال القاضي أبو زيد الدبوسي  في " تقويم الأدلة " قال : وسواء أوجب علم اليقين ، أو دونه . انتهى . وقال  القاضي أبو الطيب    : يسمى الدليل حجة وبرهانا . وقيل : بل هما اسم لما دل عليه صحة الدعوى . وقال الروياني  في البحر " : في الفرق بين الدليل والحجة وجهان : أحدهما : أن الدليل ما دل على مطلوبك ، والحجة ما منع من ذلك والثاني : الدليل ما دل على صوابك . والحجة ما دفع عنك قول مخالفك . ا هـ . وخص المتكلمون  اسم الدليل ما دل بالمقطوع به من السمعي والعقلي ، وأما الذي لا يفيد إلا الظن فيسمونه أمارة . وحكاه في التلخيص " عن معظم المحققين .  [ ص: 52 ] وزعم الآمدي  أنه اصطلاح الأصوليين أيضا ، وليس كذلك ، بل المصنفون في أصول الفقه يطلقون الدليل على الأعم من ذلك وصرح به جماعة من أصحابنا ،  كالشيخ أبي حامد  ،  والقاضي أبي الطيب  ،  والشيخ أبي إسحاق  ، وابن الصباغ    . وحكاه عن أصحابنا ، وسليم الرازي  ،  وأبي الوليد الباجي  من المالكية ،  والقاضي أبي يعلى  ،  وابن عقيل  والزاغوني  من الحنابلة ، وحكاه في " التلخيص " عن جمهور الفقهاء وحكاه  القاضي أبو الطيب  عن أهل اللغة ، وحكي القول الأول عن بعض المتكلمين    . قيل : ولعل منشأه قول بعضهم : إن الأدلة الظنية لا تحصل صفات تقتضي الظن كما تقتضي الأدلة اليقينية العلم ، وإنما يحصل الظن اتفاقا عندها ، ولهذا يقولون : إن الظنيات ليس فيها ترتيب ، وتقديم ، وتأخير ، وليس فيها  [ ص: 53 ] خطأ في نفس الأمر كما يقول ذلك المصوبة . وقال ابن الصباغ    : اختلف المتكلمون  في إطلاق اسم الدليل على الظني ، وإنما قصد بهذه التسمية الفصل بين المعلوم والمظنون ، فأما في أصل الوضع فلم يختلفوا في أن الجميع يسمى دليلا وضعا . وكذلك قال ابن برهان  ، وابن السمعاني    : الفقهاء لا يفرقون بينهما ، وفرق بينهما المتكلمون  ، وهو راجع إلى اللفظ دون المعنى . وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي  في كتاب عيار النظر " : قال  أبو الحسن الأشعري    : معنى الدليل مظهر الدلالة ، ومنه دليل القوم ، وقال : إن تسمية الدلالة دليلا مجاز ، وإن كان إذا قيل له : لو كان الدليل مظهر الدلالة ، لوجب على المسئول عن الدلالة إذا قيل له : ما الدليل ؟ أن يقول : أنا ; لأنه هو المظهر للدلالة . أجاب بأنه لو قيل : من الدليل ؟ قال : أنا وإذا وقع السؤال بحرف " ما " عرف أن المراد به السؤال عن الدلالة ; لأن " ما " إنما يسأل به عما لا يوصف بالتمييز . وقال عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين    : إن الدليل هو الدلالة ، وهو ما يتوصل به إلى معرفة ما لا يدرك بالحس والضرورة ، وعلى هذا فتسمية الدال على الطريق دليلا مجاز . ا هـ . وقال  القاضي أبو الطيب    : الدلالة مصدر قولك : دل يدل دلالة ويسمى دليلا مجازا من باب تسمية الفاعل باسم المصدر . كقولهم : رجل صوم  [ ص: 54 ] وأما الدال : فاختلف أصحابنا فيه ، فقيل : هو الدليل ، وقيل : هو الناصب للدليل ، وهو الله تعالى الذي نصب أدلة الشرع والعقل . 
قال الإمام    : وليس للدليل تحصيل سوى تجريد الفكر من ذي فكرة صحيحة إلى جهة يتطرق إلى مثلها تصديق ، أو تكذيب . 
				
						
						
