السابع : في : أورد فيه صاحب آكام المرجان آثارا مما رووه ، فكأنه رأى بذلك قبول روايتهم . والذي أقول : إن الكلام في مقامين : روايتهم عن الإنس ، ورواية الإنس عنهم . فأما الأول : فلا شك في جواز روايتهم عن الإنس ما سمعوه منهم ، أو قرئ عليهم وهم يسمعون ، سواء علم الإنسي بحضورهم أم لا ، وكذا إذا أجاز الشيخ من حضر ، أو سمع ، دخلوا في إجازته ، وإن لم يعلم به ، كما في نظير ذلك من الإنس . وأما رواية الإنس عنهم . رواية الجن للحديث
فالظاهر : منعها ، لعدم حصول الثقة بعدالتهم وقد ورد في الحديث { سليمان بن داود ، فيقولون حدثنا وأخبرنا } وأما الآثار التي أوردها صاحب آكام المرجان ، وهي : ما أخرجه يوشك أن تخرج شياطين كان أوثقها الحافظ أبو نعيم حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم . حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر الرملي . حدثنا أحمد بن محمد بن طريف . حدثنا عن محمد بن كثير حدثني الأعمش ، وهب بن جابر عن [ ص: 260 ] قال : خرج قوم يريدون أبي بن كعب مكة ، فأضلوا الطريق ، فلما عاينوا الموت ، أو كادوا أن يموتوا ، لبسوا أكفانهم ، وتضجعوا للموت ، فخرج عليهم جني يتخلل الشجر . وقال أنا بقية النفر الذين استمعوا على محمد صلى الله عليه وسلم سمعته يقول { } هذا الماء ، وهذا الطريق . المؤمن أخو المؤمن ودليله لا يخذله
وقال : حدثني أبي حدثنا ابن أبي الدنيا عبد العزيز القرشي أخبرنا عن إسرائيل السدي عن مولى عبد الرحمن بن بشر قال { خرج قوم حجاجا في إمرة عثمان فأصابهم عطش ، فانتهوا إلى ماء ملح ، فقال بعضهم : لو تقدمتم فإنا نخاف أن يهلكنا هذا الماء فساروا حتى أمسوا ، فلم يصيبوا ماء ، فأدلجوا إلى شجرة سمر ، فخرج عليهم رجل أسود شديد السواد جسيم ، فقال : يا معشر الركب ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب للمسلمين ما يحب لنفسه ، ويكره للمسلمين ما يكره لنفسه ، فسيروا حتى تنتهوا إلى أكمة ، فخذوا عن يسارها ، فإن الماء ثم } .
وقال أيضا : حدثني محمد بن الحسين حدثنا يوسف بن الحكم الرقي حدثنا فياض بن محمد أن بينا هو يسير على بغلة إذا هو بجان ميت على قارعة الطريق فنزل فأمر به ، فعدل عن الطريق ، ثم حفر له ، فدفنه وواراه ، ثم مضى ، فإذا هو بصوت عال ، يسمعونه ، ولا يرون أحدا : ليهنك البشارة من الله يا أمير المؤمنين ، أنا وصاحبي هذا الذي دفنته من الجن الذين قال الله فيهم { عمر بن عبد العزيز وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } فلما أسلمنا { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبي هذا ستموت في أرض غربة يدفنك فيه يومئذ خير أهل الأرض } .
فالجواب عنها : أن رواتها ممن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن لهم حكم الصحابة في عدم البحث عن عدالتهم ، وقد ذكر حفاظ الحديث ، ممن صنف في الصحابة ، مؤمني الجن فيهم . قال الحافظ أبو الفضل العراقي : وقد استشكل ذكر مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة ، وهم أولى بالذكر . قال : وليس كما زعم ، لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ، ممن رآه حسنا ، بخلاف الملائكة . انتهى . ابن الأثير