[ ص: 322 ] فصل ويملك الإرث بمجرد الموت  ، ولو كان على التركة دين على الصحيح والقديم : أن الدين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث . وهل يمنع انتقال قدره أو كلها ؟ قولان : في الشرح بلا ترجيح . وينبني على القولين : ما لو حدث في التركة زوائد  ، فعلى الصحيح : لا يتعلق بها حق الغرماء ، وعلى الآخر يتعلق . 
وينبني عليهما أيضا مسألة وقعت في أيام ابن عدلان  وابن اللبان  وابن القماح  والسبكي  والسنكلوي    . وابن الكتاني  ، وابن الأنصاري  ، وابن البلغيائي    . وهي : ما لو كان الدين للوارث ، فهل يسقط منه بقدر ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي  ؟ حتى لو كان جائزا والدين بقدر التركة سقط كله . 
فأفتى جماعة : بأن لا سقوط وبأنه أخذ التركة إرثا ، والدين باق في ذمة الميت ; لأن التركة دخلت في ملكه بمجرد الموت ; إذ الدين لا يمنع الإرث فلا يثبت له في ملكه شيء . وأفتى جماعة بالسقوط وقالوا : إنه يؤثر في نقصان مجموع المأخوذ ، فيكون أخذ قدر الدين عن دينه لا إرثا ، والباقي إرث . وهؤلاء استندوا إلى تقديم الدين على الإرث ، مع القول بأنه يمنع الإرث . وأفتى السبكي  بالسقوط وعدم التأثير بالنقصان وألف في ذلك كتابا سماه ( منية الباحث عن دين الوارث ) ولخصه في فتاويه ، فقال : يسقط من دين الوارث ما يلزم أداؤه من ذلك الدين ، لو كان لأجنبي ، وهو نسبة إرثه من الدين ، إن لم يزد الدين على التركة ، ومما يلزم الورثة أداؤه منه إن زاد . ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه منه على قدر حصصهم . وقد يقضي الأمر إلى التقاص إذا كان الدين لوارثين ، فإذا كان الوارث حائزا أو لا دين لغيره ودينه مساو للتركة أو أقل سقط وإن زاد سقط مقدارها ويبقى الزائد ويأخذ التركة في الأحوال إرثا ، ويقدر أنه أخذها دينا ; لأن جهة الملك أقوى ولا تتوقف على شيء ، وجهة الدين تتوقف على إقباض أو تعويض ، وهما متعذران ; لأن التركة ملكه . لكنا نقدر أحدهما ، وإلا لما برئت ذمة الميت ، تقديرا محضا لا وجود له . 
ولو كان مع دين الحائز دين أجنبي ، قدرنا الدينين الأجنبيين ، فما خص دين الوارث سقط واستقر نظيره ، كدينارين له ودينار لأجنبي ، والتركة ديناران ، فله دينار وثلث  [ ص: 323 ] إرثا ، وسقط نظيره وبقي له في ذمة الميت ثلثا دينار ، ويأخذ الأجنبي ثلثي دينار ويبقى له ثلث دينار ، ولو كان الوارث اثنين لأحدهما ديناران ولآخر دينار ، فلصاحب الدينارين من ديناره الموروث ثلثاه ، ومن دينار أخيه ثلثه ، والثلث الباقي من ديناره مقاصص به أخاه فيجتمع له دينار وثلث ، ولأخيه ثلثان ومجموعهما ديناران ، وهو اللازم لهما ; لأن الذي يلزم الورثة أداؤه أقل الأمرين : من الدين ومقدار التركة . 
ولو كان زوجة وأخا والتركة أربعين والصداق عشرة ،  ، فلها عشرة إرثا وسبعة ونصف من نصيب الأخ دينا ، وسقط لها ديناران ونصف نظير ربع إرثها ، ازدحم عليه جهتا الإرث والدين . 
ولو قلنا : بأن السبعة ونصفا من أصل التركة ، لسقط ربعها المختص بها ، وهلم جرا إلى أن لا يبقى شيء ولأنه لو عاد له ثلاثة أرباع الاثنين ونصف لكان بغير سبب ولزاد إرثه ونقص إرثها عما هو لها . وقد بان بهذا : أنه لا يختلف المأخوذ ، وسواء أعطيت الدين أولا ، أم بعد القسمة . 
والحاصل لها على التقديرين سبعة عشر ونصف . والطريق الأول : هو الذي عليه عمل الناس ، وهو أوضح وأسهل يتمشى على قول من يقول : إن التركة لا تنتقل قبل وفاء الدين . 
والطريق الثاني : أدق ، وهو مبني على أن التركة تنتقل قبل وفاء الدين ، وهو الصحيح . ويترتب عليه : أنه لا يجوز لها أن تدعي ، ولا تحلف إلا على النصف والربع ، وكذا لا تتعوض ولا تقبض ولا تبرأ إلا من ذلك . 
قال : وأما ما زاد على قدر التركة ، فلا يسقط ومن تخيل ذلك فهو غالط ، فإن قلت : ما ادعيته من السقوط لا بد فيه من الاستناد إلى شيء من كلام الأصحاب وإلا فقد ظن بعض الناس أن بالسقوط يتفاوت المأخوذ ، وظن آخرون أن لا سقوط أصلا قلت    : أما من ظن أن لا سقوط أصلا ، فكلامه متجه إذا قلنا : التركة لا تنتقل ، فإن قلنا بالانتقال ، فلا . وأما من ظن التفاوت ، فليس بشيء . 
وأما كلام الأصحاب الدال على ما قلناه ، ففي موضعين : أحدهما : في الجراح ، إذا خلف زوجته حاملا وأخا لأب ، وعبدا ، فجنى عليها فأجهضته  قالوا : يسقط من حق كل واحد من الغرة ما يقابل ملكه ; لأنه لا يثبت للإنسان على ملكه حق  [ ص: 324 ] وذكروا طريقين في كيفية السقوط : أحدهما : طريقة الإمام  والرافعي    : أنه يسقط نصيب الأخ كله ; لأنه أقل من ملكه . 
ومن نصيب الأم ما يقابل ملكها ، وهو الربع ويبقى لها نصف سدس الغرة ، يرجع به على الأصح . وأصحهما طريقة الغزالي    : أنه يسقط من حقها من الغرة ربعه ; لأنه المقابل لملكها ومن حقه ثلاثة أرباعه ويبقى لها سدس الغرة ، ولها عليه نصف سدسها ، والواجب في الفداء أقل الأمرين ، وربما لا تفي حصتها بأرشها وتفي حصته بأرشه ، فإذا سلمت تعطل عليه ما زاد ولم يتعطل عليها . مثاله : الغرة ستون وقيمة العبد عشرون ، وسلما . ضاع عليه خمسة وصار له خمسة ولها خمسة عشر . 
الموضع الثاني في الإجارة آجر دارا من ابنه بأجرة قبضها واستنفقها ومات عقب ذلك عنه وعن ابن آخر  ، وقلنا تنفسخ الإجارة في نصيب المستأجر ، فمقتضى الانفساخ فيه الرجوع بنصف الأجرة يسقط منه نسبة إرثه ، وهو الربع ويرجع على أخيه بالربع في هذين الموضعين يؤخذ ما ذكرناه من السقوط ، انتهى كلام السبكي  في فتاويه . 
				
						
						
