القاعدة الثالثة . قال تعالى ( { الإيثار في القرب مكروه . وفي غيرها محبوب ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
قال الشيخ عز الدين : لا إيثار في القربات ، فلا إيثار بماء الطهارة ، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول ; لأن الغرض بالعبادات : التعظيم ، والإجلال . فمن آثر به ، فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه .
وقال الإمام : لو ، لم يجز ، لا أعرف فيه خلافا ; لأن الإيثار : إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس ، لا فيما يتعلق بالقرب ، والعبادات . دخل الوقت ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ليتوضأ به
وقال في شرح المهذب ، في باب الجمعة : لا ، فإن قام باختياره ، لم يكره ، فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره . يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه
قال أصحابنا : لأنه آثر بالقربة .
وقال ، في الفروق : من دخل عليه وقت الصلاة ، ومعه ما يكفيه لطهارته ، وهناك من يحتاجه للطهارة ، لم يجز له الإيثار . الشيخ أبو محمد
ولو ، كان له ذلك ، وإن خاف فوات مهجته . أراد المضطر : إيثار غيره بالطعام ، لاستبقاء مهجته
والفرق : أن الحق في الطهارة لله ، فلا يسوغ فيه الإيثار ، والحق في حال المخمصة لنفسه .
وقد علم أن المهجتين على شرف التلف ، إلا واحدة تستدرك بذلك الطعام ، فحسن إيثار غيره على نفسه .
قال : ويقوي هذا الفرق مسألة المدافعة ; وهي : أن ، فله الاستسلام . الرجل إذا قصد قتله ظلما [ ص: 117 ] وهو قادر على الدفع ، غير أنه يعلم أن الدفع ربما يقتل القاصد
وقال في الجامع : كره قوم الخطيب ، لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة ، والإيثار بالقرب مكروه ، انتهى . إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة
وقد جزم بذلك النووي في شرح المهذب ; وقال في شرح مسلم : الإيثار بالقرب مكروه ، أو خلاف الأولى ، وإنما يستحب في حظوظ النفس ، وأمور الدنيا .
قال الزركشي : وكلام الإمام ووالده السابق : يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام ، فحصل ثلاثة أوجه .
قلت : ليس كذلك ، بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام : كالماء ، وساتر العورة ، والمكان في جماعة لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد ، ولا تنتهي النوبة ، لآخرهم إلا بعد الوقت ، وأشباه ذلك ، وإن أدى إلى ترك سنة ، أو ارتكاب مكروه فمكروه ، أو لارتكاب خلاف الأولى ، مما ليس فيه نهي مخصوص ، فخلاف الأولى وبهذا يرتفع الخلاف .
تنبيه :
من المشكل على هذه القاعدة : من جاء ولم يجد في الصف فرجة ، فإنه يجر شخصا بعد الإحرام ، ويندب للمجرور أن يساعده ، فهذا يفوت على نفسه قربة ، وهو أجر الصف الأول .