فيما تتميز به الصغائر من الكبائر
إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها ، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي من الكبائر . أو فمن شتم الرب أو الرسول أو استهان بالرسل أو كذب واحدا منهم الكعبة بالعذرة أو ألقى المصحف في القاذورات فهذا من أكبر الكبائر ، ولم يصرح الشرع بأنه كبيرة . ضمخ
وكذلك فلا شك أن مفسدة ذلك أعظم من مفسدة لو أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها أو مسلما لمن يقتله مع كونه من الكبائر . أكل مال اليتيم
وكذلك لو مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته ويسبون حرمهم وأطفالهم ، ويغتنمون أموالهم ويزنون بنسائهم ويخربون ديارهم ، فإن تسببه إلى هذه المفاسد أعظم من توليته يوم الزحف بغير عذر مع كونه من الكبائر . دل الكفار على عورة المسلمين
وكذلك ، ولو لو كذب على إنسان كذبا يعلم أنه يقتل بسببه لم يكن ذلك من الكبائر ، وقد نص الشرع على أن كذب على إنسان كذبا يعلم أنه تؤخذ منه تمرة بسبب كذبه شهادة الزور من الكبائر فإن وقعا في مال خطير فهذا ظاهر ، وإن وقعا في مال حقير كزبيبة وتمرة فهذا مشكل ، فيجوز أن يجعل من الكبائر فطاما عن هذه المفاسد ، كما جعل وأكل مال اليتيم من جملة الكبائر وإن لم يتحقق المفسدة فيه ، ويجوز أن يضبط ذلك المال بنصاب السرقة . [ ص: 24 ] شرب قطرة من الخمر
كبيرة فإن شاهد الزور متسبب متوسل والحاكم مباشر فإذا جعل التسبب كبيرة فالمباشرة أكبر من تلك الكبيرة ، ولو شهد اثنان بالزور على قتل موجب للقصاص فسلم الحاكم المشهود عليه إلى الوالي فقتله وكلهم عالمون بأنهم ظالمون فشهادة الزور كبيرة والحكم أكبر منها ومباشرة القتل أكبر من الحكم ، والوقوف على تساوي المفاسد وتفاوتها عزة ولا يهتدي إليها إلا من وفقه الله تعالى ، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت ، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب ، ولا يلزم من النص على كون الذنب كبيرة أن يكون مساويا لغيره من الكبائر ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : { والحكم بغير الحق } . رواه إن من الكبائر أن يشتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وكيف يشتم الرجل والديه ؟ فقال . نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه في الصحيح . جعل صلى الله عليه وسلم التسبب إلى سبهما من الكبائر ، وهذا تنبيه على أن مباشرة سبهما أكبر من التسبب إليه . مسلم
وفي رواية : { البخاري } إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قالوا يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه
جعل اللعن من أكبر الكبائر لفرط قبحه بخلاف السب المطلق . وقد نص الرسول عليه السلام على أن من الكبائر ، مع الخلاف في رتب العقوق ، ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه ، فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما ، ولا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء ، وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه ، ولشدة تفجعهما على ذلك ، وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو على عضو من أعضائه ، وقد ساوى الوالدان الرقيق في النفقة والكسوة والسكنى . وقد ضبط بعض العلماء الكبائر بأن قال . كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن فهو من الكبائر . عقوق الوالدين كبيرة لاقتران اللعن به . فتغيير منار الأرض
وكذلك كبيرة لأنه اقترن به الوعيد واللعن والحد ، والمحاربة والزنا والسرقة والقذف كبائر لاقتران الحدود بها ، وعلى هذا كل ذنب علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به الوعيد أو اللعن أو الحد أو أكبر من مفسدته فهو كبيرة . قتل [ ص: 25 ] المؤمن