فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330لم جعلتم القول قول بعض المدعين مع يمينه ابتداء ؟ قلنا : فعلنا ذلك إما لترجح جانبه ، أو لإقامة مصلحة عامة ، أو لدفع ضرورة خاصة .
فأما ترجح جانبه فله مثالان : أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=16284_9469_15330دعوى القتل مع اللوث ، فإن اللوث قد رجح جانبه بالظن المستفاد من اللوث فانتقلت اليمين إلى جانبه ، ثم أكدنا الظن بتحليفه خمسين يمينا ; لما في ذلك من بعد الجرأة على الله بخمسين كاذبة ، فأوجبنا الدية لما ظهر لنا من صدقه ، وفي إيجاب القول بمثل هذا الظن خلاف بين العلماء .
المثال الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=12300_16284_12214_12212_15330قذف الرجل زوجته ، فإن صدقه فيه ظاهر ; لأن الغالب في الزوج نفي الفواحش عن امرأته ، وأنه يتعير بظهور زناها ، ولولا صدقه في هذه الواقعة لما أقدم على ذلك ، فلما ظهر صدقه ضممنا إلى هذا الظهور
[ ص: 35 ] الظهور المستفاد من أيمان اللعان ، وأكدنا ذلك بدعائه على نفسه باللعن الذي لا يقدم عليه غالبا إلا صادق في قوله ، فإذا تم لعانه فقد اختلف العلماء في حد المرأة بهذه الحجة ، فذهب إلى أنها لا تحد لضعف هذه الحجة ورأي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أنها تحد بهذه الحجة عملا بقوله - عز وجل - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } حملا للعذاب على الجلد المذكور في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ، وفرق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بين هذا وبين القود بالقسامة ; لأن المرأة قادرة على درء الحد باللعان ، بخلاف القصاص فإن المقتص منه لا يقدر على درئه .
وأما قبول قول المدعي لإقامة مصلحة عامة فله أمثلة : أحدها : قبول
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330قول الأمناء في تلف الأمانة لو لم يشرع لزهد الأمناء في قبول الأمانات ولفاتت المصالح المبنية على حفظ الأمانات .
المثال الثاني : قبول
nindex.php?page=treesubj&link=15330_16284قول الحكام فيما يدعونه من الجرح والتعديل ، وغيرها من الأحكام لو لم يقبل لفاتت مصالح تلك الأحكام لرغبة الحكام عن ولاية الأحكام .
المثال الثالث : قبول
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330قول المدعي رد الأمانة على مستحقها وللأمين في ذلك حالان : أحدهما أن يكون أمينا من قبل الشرع كالوصي يدعي رد المال على اليتيم ، وكذلك من كانت عنده أمانة شرعية فادعى ردها على مالكها الذي لم يأتمنه عليها فلا يقبل قوله في ذلك لتيسر الإشهاد على الرد فإذا فرط في الإشهاد لم نخالف القواعد والأصول ; لأجل تفريطه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330_27799_16295_15227ما يقبل في قول المدعي لرفع ضرورة خاصة : فكالغاصب يدعي تلف المغصوب فالقول قوله مع يمينه ; لأنا لو رددنا قوله لأدى إلى أن نخلده في الحبس إلى موته ، ويجب طرد هذا في كل يد ضامنة كيد المستعير .
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330لِمَ جَعَلْتُمْ الْقَوْلَ قَوْلَ بَعْضِ الْمُدَّعِينَ مَعَ يَمِينِهِ ابْتِدَاءً ؟ قُلْنَا : فَعَلْنَا ذَلِكَ إمَّا لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ ، أَوْ لِإِقَامَةِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ ، أَوْ لِدَفْعِ ضَرُورَةٍ خَاصَّةٍ .
فَأَمَّا تَرَجُّحُ جَانِبِهِ فَلَهُ مِثَالَانِ : أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=16284_9469_15330دَعْوَى الْقَتْلِ مَعَ اللَّوْثِ ، فَإِنَّ اللَّوْثَ قَدْ رُجِّحَ جَانِبُهُ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّوْثِ فَانْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَى جَانِبِهِ ، ثُمَّ أَكَّدْنَا الظَّنَّ بِتَحْلِيفِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ بُعْدِ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ بِخَمْسِينَ كَاذِبَةً ، فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ صِدْقِهِ ، وَفِي إيجَابِ الْقَوْلِ بِمِثْلِ هَذَا الظَّنِّ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
الْمِثَالُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=12300_16284_12214_12212_15330قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ ، فَإِنَّ صِدْقَهُ فِيهِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الزَّوْجِ نَفْيُ الْفَوَاحِشِ عَنْ امْرَأَتِهِ ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّرُ بِظُهُورِ زِنَاهَا ، وَلَوْلَا صِدْقُهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا ظَهَرَ صِدْقُهُ ضَمَمْنَا إلَى هَذَا الظُّهُورِ
[ ص: 35 ] الظُّهُورَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَيْمَانِ اللِّعَانِ ، وَأَكَّدْنَا ذَلِكَ بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنِ الَّذِي لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ ، فَإِذَا تَمَّ لِعَانُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْمَرْأَةِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ ، فَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَا تُحَدُّ لِضَعْفِ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَرَأْيُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تُحَدُّ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } حَمْلًا لِلْعَذَابِ عَلَى الْجَلْدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } ، وَفَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَادِرَةٌ عَلَى دَرْءِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَرْئِهِ .
وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ الْمُدَّعِي لِإِقَامَةِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ : أَحَدُهَا : قَبُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي تَلَفِ الْأَمَانَةِ لَوْ لَمْ يَشْرَعْ لِزُهْدِ الْأُمَنَاءِ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ وَلَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ .
الْمِثَالُ الثَّانِي : قَبُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=15330_16284قَوْلِ الْحُكَّامِ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِرَغْبَةِ الْحُكَّامِ عَنْ وِلَايَةِ الْأَحْكَامِ .
الْمِثَالُ الثَّالِثُ : قَبُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330قَوْلِ الْمُدَّعِي رَدَّ الْأَمَانَةِ عَلَى مُسْتَحَقِّهَا وَلِلْأَمِينِ فِي ذَلِكَ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَمِينًا مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ يَدَّعِي رَدَّ الْمَالِ عَلَى الْيَتِيمِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا الَّذِي لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِتَيَسُّرِ الْإِشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ فَإِذَا فَرَّطَ فِي الْإِشْهَادِ لَمْ نُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ وَالْأُصُولَ ; لِأَجْلِ تَفْرِيطِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=16284_15330_27799_16295_15227مَا يُقْبَلُ فِي قَوْلِ الْمُدَّعِي لِرَفْعِ ضَرُورَةٍ خَاصَّةٍ : فَكَالْغَاصِبِ يَدَّعِي تَلَفَ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا قَوْلَهُ لَأَدَّى إلَى أَنْ نُخَلِّدَهُ فِي الْحَبْسِ إلَى مَوْتِهِ ، وَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا فِي كُلِّ يَدٍ ضَامِنَةٍ كَيَدِ الْمُسْتَعِيرِ .