المثال التاسع : فإنه يباح الإقدام عليه تنزيلا [ ص: 131 ] للدلالة العرفية منزلة اللفظية ، ولا يجوز لأحد منهم أن يطعم السنور ولا السائل ما لم يعلم من باذل الطعام الرضا بذلك ، ولا يجوز للأراذل أن يأكلوا مما بين أيدي الأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بالأماثل ، إذ لا دلالة على ذلك بلفظ ولا عرف زاجر عن ذلك . تقديم الطعام إلى الضيفان إذا أكمل وضعه بين أيديهم ودخل الوقت الذي جرت العادة بأكلهم فيه
فإن قيل : إذا فهل يحرم عليه من جهة أن العرف إنما هو الإذن في مقدار الشبع ؟ قلت : ينبغي أن لا يحرم عليه لكونه على خلاف الإذن إذ لا يتقيد الإذن بالعرف بذلك ، وإنما يحرم عليه لأنه مضيع لما أفسده من الطعام لغير فائدة . أكل الضيف فوق شبعه
فإن قيل : هل يكون هذا إذنا في معلوم أو مجهول ، لأن ما قد يأكله كل واحد من الضيفان مجهول للآذن ؟ قلنا : فلو لا يشترط في الإباحة أن يكون المباح معلوما للمبيح ، أو منح شاة أو ناقة أو أعار دابة ولم يقيد مدة الانتفاع ، أو أعطاه نخلة يرتفق بثمارها على الدوام جاز ذلك ، وهذا مستثنى من الرضا بالمجهولات لمسيس الحاجة إليه . أباح الأكل من ثمار بستانه
فإن قيل : لو كان ، وكذلك لو كان الطعام كثيرا فأكل لقما كبارا مسرعا في مضغها وابتلاعها حتى أكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك لعدم الإذن العرفي واللفظي فيه ، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن القران في التمر من غير إذن . أحد الضيفان يأكل أكلة مثل عشرة أنفس ، ورب الطعام يشعر بكثرة أكله ، فهل يجوز له أن يأكل لانتفاء الإذن اللفظي والعرفي فيما جاوز ذلك
فإن قيل : فما ؟ حكم مسألة القران قلت لها أحوال :
إحداها أن يكون الطعام كثيرا يفضل عن شبع الجميع فلكل واحد أن يأكل كيف شاء من إفراد أو قران . [ ص: 132 ]
الحال الثانية : أن يكون الطعام قليلا فهذه مسألة النهي في حق الضيفان وأما صاحب الطعام فله الإفراد والقران ، وإن كان قرانه مخالفا للمروءة وأدب المؤاكلة .
الحال الثالثة : أن يكون الطعام قليلا مشتركا بين الآكلين فهذا أيضا في معنى النهي عن قران الضيفان .