المثال الثاني والعشرون : الصلاة واجبة على الأموات  لافتقارهم إلى رفع وتكفير السيئات إلا الأطفال لا يدعى لهم بتكفير السيئات ، لكن يدعى لهم برفع الدرجات لافتقارهم إليها ، وقد روى  مالك  عن  سعيد بن المسيب  أنه سمع  أنسا  يدعو لصبي في الصلاة عليه : أن يعيذه الله من عذاب القبر ، وليس هذا ببعيد إذ يجوز أن يبتلى في قبره كما يبتلى في الدنيا ، وإن لم  [ ص: 168 ] يكن له ذنب فيجوز أن يكون هذا رأيا من  أنس  ، ويجوز أن يكون أخذ ذاك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يصلى على الشهداء فإنهم قد غفرت لهم الزلات لأن أول قطرة تقطر من دم الشهيد يكفر بها كل ذنب إلا الدين . 
فإن قيل : هلا صلي عليهم لرفع الدرجات كما صلي على الأطفال ؟ قلنا : لو صلي عليهم لم يعرف أنهم قد استغنوا عن الشفاعات ، فتركت الصلاة عليهم ترغيبا للناس في الجهاد . 
فإن قيل : لم ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المدين  مع افتقاره إليها قلنا ؟ تركها تنفيرا من الديون ، لما في العجز عن أدائها من مضرة أربابها ، ولأن المدين إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن كثرة استعاذته من المأثم والمغرم فقال : { إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف   } . 
فإن قيل : قد صلى الصحابة على سيد الأولين والآخرين مع أن الله أخبره أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قلنا : كما أمروا بالصلاة عليه قبل موته أمروا بمثل ذلك بعد موته . 
فإن قيل : الدعاء شفاعة للمدعو له فكيف يشفع ؟ قلنا ليست الصلاة عليه شفاعة له ، ولكن قد أمرنا بأن نكافئ من أسدى إلينا المعروف وإن عجزنا عن مكافأته أن ندعو له بدلا من مكافأته ، ولا معروف أكمل مما أسداه إلينا صلى الله عليه وسلم فنحن ندعو الله عز وجل أن يكافئه عنا لعجزنا عن مكافأته . 
				
						
						
