المثال الثالث والعشرون : اعلم أن على قدر الحاجات : فجعل [ ص: 192 ] للراجل سهما واحدا لأن له حاجة واحدة ، وجعل للفارس ثلاثة أسهم لأن له ثلاث حاجات : حاجة لنفسه وحاجة للفرس ، وحاجة لسائس فرسه . الله قسم أموال المصالح العامة على قدر الحاجات والضرورات ، وقسم الغنائم أيضا
وكذلك مواريث البنين والبنات والإخوة والأخوات على قدر الحاجات : فجعل للإناث من هؤلاء سهما واحدا ، وجعل للذكر سهمين ، لأن للذكر في الغالب حاجة لنفسه وحاجة لزوجته ، وللأنثى في الغالب حاجة واحدة لأنها مكفولة في الغالب ، والرجل كافل في الغالب ، لكن خولف هذا القياس في الإخوة من الأم : فسوى فيهم بين ذكورهم وإناثهم من جهة إدلائهم بالأم ، وسوى بين الأب والأم : فجعل لكل واحد منهما السدس مع وجود الأولاد ، وفضل الأب مع الأم مع فقدهم ، وقدم الأبناء على الآباء في التعصيب لأن الابن بضعة من الأب وبعض له ، فكان بعض الميت أحق بماله من أبيه لأنه أقرب إليه ، ويقدم الآباء على الإخوة والأخوات ، لأنهن بضعة من الأموات ، لكن خولف القياس فيما إذا مات عن مائة وخمسين درهما وعن مائة بنت وأخت واحدة من أبويه ، فإن الأخت تفوز بالثلث وهو أضعاف ما يحصل للبنات مع قربهن ، إذ يحصل لكل بنت درهم واحد ، ويحصل للأخت خمسون درهما مع كون البنت بضعة للميت وبعضا له ، والأخت بضعة من الجد مع بعده ، وهذا موغل في البعد عن القياس .
وكذلك خولف القياس في الإخوة مع الجد لأن كل واحد منهما يدلي بالأب والأخ أولى بالأب المدلى به ، والجد ليس كذلك ، ولهذا جعل الأخ في باب الولاء مقدما على الجد على قول ، لكنه بضعة من المدلى به ، ولولا إجماع الصحابة على أن الشافعي لقال بتقديم الأخ كما قال به في الولاء . الأخ لا يقدم على الجد في الإرث