( فصل ) وأما العيون فتنقسم ثلاثة أقسام    : أحدها أن يكون مما أنبع الله تعالى ماءها ولم يستنبطه الآدميون فحكمها حكم ما أجراه الله تعالى من الأنهار ، ولمن أحيا أرضا بمائها أن يأخذ منه قدر كفايته ، فإن تشاحوا فيه لضيقه روعي ما أحيي بمائها من الموات ، فإن تقدم فيه بعضهم على بعض كان لأسبقهم إحياء أن يستوفي منها شرب أرضه ثم لمن يليه ، فإن قصر الشرب عن بعضهم كان نقصانه في حق الأخير ، وإن اشتركوا في الإحياء على سواء ولم يسبق به بعضهم بعضا تحاصوا فيه إما بقسمة الماء وإما بالمهايأة عليه . 
والقسم الثاني : أن يستنبطها الآدميون فتكون ملكا لمن استنبطها ويملك معها حريمها وهو على مذهب  الشافعي  معتبر بالعرف المعهود في مثلها ومقدر بالحاجة الداعية إليها . 
وقال  أبو حنيفة    : حريم العين خمسمائة ذراع ولمستنبط  [ ص: 232 ] هذه العين سوق مائها إلى حيث شاء وكان ما جرى فيه ماؤها ملكا له وحريمه . 
والقسم الثالث : أن يستنبطها الرجل في ملكه فيكون أحق بمائها لشرب أرضه ; فإن كان قدر كفايتها فلا حق عليه فيه إلا لشارب مضطر ، وإن فضل عن كفايته ، وأراد أن يحيي بفضله أرضا مواتا فهو أحق به لشرب ما أحياه وإن لم يرده لموات أحياه لزمه بذله لأرباب المواشي دون الزرع كفضل ماء البئر ، فإن اعتاض عليه من أرباب الزرع جاز ، وإن اعتاض من أرباب المواشي لم يجز . ويجوز لمن احتفر في البادية بئرا فملكها أو عينا استنبطها أن يبيعها ، ولا يحرم عليه ثمنها    . وقال  سعيد بن المسيب   وابن أبي ذئب  لا يجوز له بيعها ويحرم ثمنها . وقال  عمر بن عبد العزيز   وأبو الزناد  إن باعها لرغبة جاز ، وإن باعها لخلاء لم يجز وكان أقرب الناس إلى المالك أحق بها بغير ثمن ، فإن رجع الخالي فهو أملك لها . 
				
						
						
