( فصل ) فأما : فإن كان من غير أهل الاجتهاد فيه كان تعرضه لطلبه محظورا وصار بالطلب مجروحا ، وإن كان من أهله على الصفة التي يجوز معها نظره فله في طلبه ثلاثة أحوال : أحدها أن يكون القضاء في غير مستحقه ، إما لنقص علمه ، وإما لظهور جوره فيخطب القضاء دفعا لمن لا يستحقه ليكون فيمن هو بالقضاء أحق فهذا سائغ لما تضمنه من دفع منكر ، ثم ينظر ، فإن كان أكثر قصده إزالة غير المستحق كان مأجورا ، وإن كان أكثره اختصاصه بالنظر فيه كان مباحا . طلب القضاء وخطبة الولاة عليه
والحالة الثانية : أن يكون القضاء في مستحقه ومن هو أهله ويريد أن يعزله عنه إما لعداوة بينهما وإما ليجر بالقضاء إلى نفسه نفعا ; فهذا الطلب محظور وهو بهذا الطلب مجروح .
والحالة الثالثة : أن لا يكون في القضاء ناظر وهو خال من وال عليه ; [ ص: 95 ] فيراعي في طلبه ; فإن كان لحاجته إلى رزق القضاء المستحق في بيت المال كان طلبه مباحا ، وإن كان لرغبة في إقامة الحق وخوفه أن يتعرض له غير مستحق كان طلبه مستحبا ، فإن قصد بطلبه المباهاة والمنزلة فقد اختلف في كراهية ذلك مع الاتفاق على جوازه ، فكرهته طائفة لأن طلب المباهاة والمنزلة في الدنيا مكروه ، قال الله تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } .
وذهبت طائفة أخرى إلى أن طلبه لذلك غير مكروه ، لأن طلب المنزلة مما أبيح ليس بمكروه ، وقد رغب نبي الله يوسف عليه السلام إلى فرعون في الولاية والخلافة فقال : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } .
فطلب الولاية ووصف نفسه بما يستحقها به من قوله { إني حفيظ عليم } وفيه تأويلان : أحدهما حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني ، وهذا قول . عبد الرحمن بن زيد
والثاني : أنه حفيظ للحساب عليم بالألسن ، وهذا قول إسحاق بن سفيان ، وخرج هذا القول عن حد التزكية لنفسه والمدح لها لأنه كان لسبب دعا إليه .
واختلف لأجل ذلك في جواز فذهب قوم إلى جوازها إذا عمل بالحق فيما يتولاه ، لأن الولاية من قبل الظالم يوسف عليه السلام تولى من قبل فرعون ليكون بعدله دافعا لجوره .
وذهبت طائفة أخرى إلى حظرها والمنع من التعرض لها لما فيها من تولي الظالمين والمعونة لهم وتزكيتهم بالتقليد أو أمرهم .
وأجابوا عن ولاية يوسف عليه السلام من قبل فرعون بجوابين : أحدهما أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى .
والثاني : أنه نظر في أملاكه دون أعماله .