والثاني أن تكون في جنبة المدعى عليه .
والثالث أن يتعدلا [ ص: 113 ] فيه والذي يؤثره غلبة الظن في إحدى الجهتين هو إرهابهما وتغليب الكشف من جهتهما ، وليس لفصل الحكم بينهما تأثير يعتبر فيه الظنون الغالبة ، فإن كانت غلبة الظن في جنبة المدعي وكانت الريبة متوجهة إلى المدعى عليه ، فقد يكون من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون المدعي مع خلوه من حجة يظهر بها مضعوف اليد مستلان الجنبة والمدعى عليه ذا بأس وقدرة ، فإذا ادعى عليه غصب دار أو ضيعة غلب في الظن أن مثله مع لينه واستضعافه لا يتجوز في دعواه على من كان ذا بأس وذا سطوة .
والثاني : أن يكون المدعي مشهورا بالصدق والأمانة والمدعى عليه مشهورا بالكذب والخيانة فيغلب في الظن صدق المدعي في دعواه .
والثالث : أن تتساوى أحوالهما غير أنه قد عرف للمدعي يد متقدمة وليس يعرف لدخول يد المدعى عليه سبب حادث فالذي يقتضيه نظر المظالم في هذه الأحوال الثلاثة شيئان :
أحدهما : إرهاب المدعى عليه لتوجه الريبة .
والثاني : سؤاله عن سبب دخول يده وحدوث ملكه فإن رضي الله عنه يرى ذلك مذهبا في القضاء مع الارتياب فكان نظر المظالم بذلك أولى وربما ألف المدعى عليه مع علو منزلته عن مساواة خصمه في المحاكمة فينزل عما في يده لخصمه عفوا ، كالذي حكي عن مالك بن أنس موسى الهادي . جلس يوما للمظالم قائم على رأسه وله منزل فحضر رجل في جملة المتظلمين يدعي أن وعمارة بن حمزة عمارة غصب ضيعة له فأمره الهادي بالجلوس معه للمحاكمة ، فقال يا أمير المؤمنين إن كانت الضيعة له فما أعارضه فيها ، وإن كانت لي فقد وهبتها له وما أبيع موضعي من مجلس أمير المؤمنين . وربما بما يحفظ معه حشمة المطلوب أو مواضعة المطلوب على ما يحفظ به حشمة نفسه أن يكون منسوبا إلى تخيف ومنع من حق كالذي حكاه تلطف والي المظالم في إيصال المتظلم إلى حقه عون بن محمد أن أهل نهر المرغاب بالبصرة خاصموا فيه المهدي إلى قاضيه عبيد الله بن الحسن العنبري فلم يسلمه إليهم ولا الهادي بعده ثم قام الرشيد فتظلموا إليه ناظر في المظالم فلم يرده إليهم فاشتراه وجعفر بن يحيى من جعفر بن يحيى الرشيد بعشرين ألف درهم ووهبه لهم وقال إنما فعلت هذا لتعلموا أن أمير [ ص: 114 ] المؤمنين لحقه لجاج فيه وأن عبده اشتراه فوهبه لكم فقال فيه أشجع السلمي ( من الكامل ) .
:
رد السباح بذي يديه وأهلها فيها بمنزلة السماك الأعزل قد أيقنوا بذهابها وهلاكهم
والدهر يرعاها بيوم أعضل فافتكها لهم وهم من دهرهم
بين الجران وبين حد الكلكل ما كان يرجى غيره لفكاكها
إن الكريم لكل أمر معضل
والثاني : أن يكون المدعي دنيئا مبتذلا والمدعى عليه نزها منصوبا فيطلب إحلافه قصدا لبذلته .
والثالث : أن يكون لدخول يد المدعى عليه سبب معروف وليس يعرف لدعوى المدعي سبب فيكون غلبة الظن في هذه الأحوال الثلاثة في جنبة المدعى عليه والريبة متوجهة إلى المدعي ، فمذهب رحمه الله إن كانت دعواه في مثل هذه الحالة بعين قائمة لم يسمعها إلا بعد ذكر السبب الموجب لها وإن كانت في مال الذمة لم يسمعها إلا بعد أن يقيم المدعي بينة أنه كان بينه وبين المدعى عليه معاملة ، مالك والشافعي رضي الله عنهما لا يريان ذلك في حكم القضاة . وأبو حنيفة