فصل
الحكم الثالث: قوله: والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله. «تحليلها التسليم»،
والكلام [في هذا اللفظ ودلالته] على شيئين: أحدهما: أنه وهذا قول جمهور العلماء. وقال لا ينصرف [ ص: 30 ] من الصلاة إلا بالتسليم. لا يتعين التسليم، بل يخرج منها بالمنافي لها، من حدث، أو عمل مبطل ونحوه. أبو حنيفة:
رواه أحمد وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، ولو كان فرضا لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها، ويخرج به منها، ولهذا لو أتى به في أثنائها أبطلها، وإذا لم يكن منها، علم أنه شرع منافيا لها، والمنافي لا يتعين. هذا غاية ما يحتج له به. وأبو داود.
والجمهور أجابوا عن هذه الحجج:
أما حديث فقال ابن مسعود: الدارقطني والخطيب وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: والبيهقي من كلام إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك فصله ابن مسعود، شبابة عن زهير، وجعله من كلام وقوله أشبه [ ص: 31 ] بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود، على حذفه. ابن مسعود
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة، ولا تدل، لأن المسيء لم يسئ في كل جزء من الصلاة، فلعله لم يسئ في السلام، بل هذا هو الظاهر، فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام.
وأيضا فلو قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه تركه التعليم استصحاب براءة الذمة من الوجوب، فكيف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب؟.
وأيضا فأنتم لم توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسئ، فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب؟ ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب، فإنه قال ولم توجبوا التكبير، وقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر وقلتم: لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئا. ثم اركع حتى تطمئن راكعا
وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها ويخرج منها به.
فجوابه: أن السلام من تمامها، وهو نهايتها، ونهاية الشيء منه ليس خارجا عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء، بخلاف مفتاحها، فإن إضافته إضافة مغاير، بخلاف تحليلها، فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.
وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها; فلأنه قطع لها قبل إتمامها، وإتيان بنهايتها قبل فراغها، فلذلك أبطلها، فالتسليم آخرها وخاتمها، كما في [ ص: 32 ] حديث أبي حميد فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإحرام إلى أولها فقول: "الله أكبر" أول أجزائها، وقول "السلام عليكم" آخر أجزائها. ويختم صلاته بالتسليم
ثم لو سلم أنه ليس جزءا منها، فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلا به، وذلك لا ينفي وجوبه، كتحللات الحج، فكونه تحليلا لا يمنع الإيجاب.
فإن قيل: ولا يقتضي، قيل: إذا ثبت انحصار التحليل في التسليم تعين الإتيان به، وقد تقدم بيان الحصر من وجهين.