المسألة الثالثة: مثل أن يشهد عمرو أن الميت أوصى لخالد بمال، ويشهد خالد أن نفس الميت أوصى لعمرو بمال أيضا، أو يشهد اثنان لاثنين ويشهد المشهود لهما للشاهدين أو لأحدهما على نفس الميت بوصية لهما بمال، إذا كانت الوصيتان بغير كتاب، أو كانت وصية كل واحد في كتاب، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال ثلاثة: شهادة الشهود بعضهم لبعض بالوصية،
الأول: قبول الشهادتين وثبوت الوصية بها بدون يمين في حالة شهادة الشاهدين لمثلهما، والعكس، وإذا شهد كل شاهد لمثله، فإن كل واحد من الشاهدين يحلف مع شاهده، ويستحق وصيته، سواء كانت شهادة كل منهما للآخر في مجلس أو مجلسين.
القول الثاني: لا تجوز شهادتهما مطلقا، ولو كانت في مجالس متفرقة.
وهو أحد قولي واختاره سحنون، اللخمي.
القول الثالث: الفرق بين أن تكون الشهادتان في مجلس واحد فترد، أو في مجلس بعد آخر فتقبلان.
[ ص: 419 ] وحجة القول بالجواز مطلقا: عموم أدلة القضاء بشهادة العدل والعدلين في حديث: البينة على المدعي.
(245 ) لما روى البخاري من طريق ومسلم منصور، عن قال: قال أبي وائل، عبد الله -رضي الله عنه-: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ، فقرأ إلى عذاب أليم ، ثم إن خرج إلينا ، فقال: ما يحدثكم الأشعث بن قيس أبو عبد الرحمن؟ قال: فحدثناه، قال: فقال: صدق، لفي والله أنزلت، كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله ، -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله: « شاهداك أو يمينه » . من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك:
وحديث: القضاء بالشاهد واليمين، وغير ذلك، فإنها تشمل شهادة الشاهد لغير من شهد له، ولمن شهد له.
وحجة من قال بردها مطلقا: تهمة تواطؤ الشاهدين على أن يشهد كل واحد منهما للآخر للوصول إلى مبتغاه من الحصول على الوصية، فيكون من باب: اشهد لي وأشهد لك.
وأما من فرق بين الشهادة في مجلس أو مجلسين: فرأى أن التهمة قوية إذا كانت الشهادتان في مجلس واحد، بخلاف ما لو شهد أحدهما بوصية الشخص في مجلس، ثم قام الشاهد يدعي وصية ، فشهد له الموصى له الأول المشهود له من طرف الشاهد، فإن تهمة التواطؤ ضعيفة فلا ترد بها الشهادة.
وهذا قول ومن معه، وهو الأرجح عند ابن القاسم المالكية .