المبحث الثامن: وصية الإنسان بإتلاف كتبه  
صورة المسألة: لو أن رجلا أوصى بأن تدفن كتب العلم التي له، أو تغرق في الماء بعد موته، وقد رويت الوصية بذلك عن جماعة من السلف، منهم:  طاوس،  وعبيدة،   وشعبة،  وأبي قلابة،  وعيسى بن يونس،   وبشر بن الحارث،  وغيرهم. 
فهل تصح وصيته أو لا؟ 
لأهل العلم في هذه المسألة خمسة أقوال: 
القول الأول: لا تصح هذه الوصية، فلا تدفن كتب العلم. 
وهو قول الحنفية،  والمعتمد عند الحنابلة.  
استدل أصحاب هذا القول بما يلي: 
 [ ص: 242 ]  1- النهي في الشرع عن إتلاف المال وإضاعته، وهذه الوصية هي من صور إتلاف المال وإضاعته فلا يعمل بها. 
2- أن الكتب تصير بموت الموصي حقا للورثة، وفي إتلافها تفويت لحق الورثة. 
3- عموم ما جاء في الشرع من الحث على نشر العلم وإظهاره، وهذه الوصية مخالفة لهذا المقصد الشرعي. 
القول الثاني: لا بأس بدفنها إعمالا للوصية. 
وهذا القول رواية عن  الإمام أحمد.  
القول الثالث: يحسب ذلك من ثلثه. 
وهذا القول رواية عن  الإمام أحمد.  
القول الرابع: التوقف في المسألة. 
القول الخامس: أن الأحوط دفنها. 
وبه قال الخلال  من الحنابلة.  
ولم يذكر الحنابلة  لهذه الروايات الأربع عن  الإمام أحمد  دليلا، والذي يبدو من تعدد الروايات واختلافها عن الإمام: هو التردد في هذه المسألة بين عموم العمل بالوصية وإنفاذها، وبين ما يقع فيها من إتلاف للمال، وإخفاء للعلم بدفن الكتب. 
 [ ص: 243 ] 
				
						
						
