المطلب الحادي عشر
استثمار الوقف في الأسهم
الأسهم في اللغة : جمع سهم، والسهم يأتي بمعنى الحظ والنصيب .
قال ابن فارس : "السين والهاء والميم أصلان أحدهما يدل على تغيير في لون، والآخر على حظ ونصيب وشيء من الأشياء".
وفي الاصطلاح : صكوك تمثل نصيبا مشاعا في رأس مال الشركة قابلة للتداول، تعطي مالكها حقوقا خاصة. [ ص: 170 ]
ويعرف السهم بالقانون التجاري : بأنه صك يمثل حصة شائعة في رأس مال شركة المساهمة.
وللأسهم عدد من الخصائص من أبرزها:
1- أنها متساوية القيمة.
2- أنها قابلة للتداول وفق القيود المنظمة لذلك .
3- عدم قابلية السهم للتجزئة في مواجهة الشركة، فإذا تملك السهم أشخاص متعددون، وجب عليهم أن يختاروا أحدهم لينوب عنهم في استعمال الحقوق المختصة بالسهم في مواجهة الشركة.
4 - المسؤولية المحدودة للمساهم، فلا تتجاوز مسؤوليته قيمة ما يملكه من قيمة الشركة.
التكييف الشرعي للأسهم:
اختلف المعاصرون في حقيقة السهم وأثره في ملكية المساهم لموجودات الشركة على أقوال :
القول الأول: أن السهم حصة شائعة في موجودات الشركة، ومالك السهم يعد مالكا ملكية مباشرة لتلك الموجودات.
وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي.
وحجته: القياس على شركة العنان، فالشريك يملك حصته من موجودات شركة العنان.
القول الثاني: أن السهم ورقة مالية لا تمثل موجودات الشركة، ومالك السهم لا يملك تلك الموجودات . [ ص: 171 ]
وحجته : اعتبار النظرة القانونية التي تميز بين ملكية الأسهم، وملكية موجودات الشركة.
القول الثالث: أن السهم ورقة مالية يمثل حصة شائعة في الشخصية الاعتبارية للشركة، وهذه الشخصية لها ذمة مالية مستقلة عن ملاكها ، فهي قابلة للإلزام، والالتزام وإجراء العقود، ولا يتعداها المساهمون، وعليه فمالك السهم يملك موجوداتها الحسية والمعنوية على سبيل التبعية، وهذه الملكية ناقصة، فلا يملك التصرف بشيء منها، ولو زادت قيمة هذه الموجودات عن قيمة أسهمه، فليس له حق المطالبة بها، كما أنه لا يتحمل في ماله الخاص الديون أو الأضرار التي قد تقع بسببها على الآخرين; لأنه لا يملك هذه الموجودات ملكا مباشرا، وليست يد الشركة عليها بالوكالة عنه.
المراد باستثمار الوقف في الأسهم :
المراد بالاستثمار الوقفي فيها : قيام الوقف بالمساهمة في إنشاء شركات جديدة، أو شراء أسهم شركات قائمة، أو من خلال المضاربة بالأسهم عن طريق البيع والشراء.
حكم استثمار الوقف في الأسهم:
اختلف المعاصرون في التوصيف الفقهي لوقف الأسهم أو التملك الوقفي فيها; إذ إن القول في مشروعيتها عندهم مبني على ذلك، ويمكن حصر آرائهم في تخريج هذه الصورة المعاصرة فيما يأتي:
الرأي الأول : تخريج هذه المسألة على ما ذكره المتقدمون من وقف المشاع. [ ص: 172 ]
الرأي الثاني : تخريج هذه المسألة على القول بجواز وقف النقود.
وقد سبق الاستدلال على مشروعية وقف المشاع، وما قيل هناك يستدل به هنا على مشروعية وقف الأسهم.
وأن السهم حصة مشاعة في ممتلكات الشركة من أعيان ثابتة كالعقار، وأعيان منقولة، ونقود، وغيرها، وهذه يجوز وقفها بأفرادها، أما العقار فلا خلاف في جواز وقفه، وأما المنقول فالراجح جواز وقفه كما سبق، وكذا النقود.
ومما يدل على صحة وقف الأسهم:
1- أنه يصح تداول الأسهم بالبيع والشراء، وما صح بيعه صح وقفه .
2- أنه يمكن الانتفاع بربح الأسهم مع بقائها .
أن السهم حصة شائعة في ممتلكات الشركة من أعيان ثابتة كالعقار وأعيان منقولة، ونقود وغيرها، وهذه يجوز وقفها بأفرادها أولا.
صور وقف الأسهم:
الصورة الأولى : الاستثمار الوقفي عن طريق القيام بوقف أسهم في تلك الشركات المساهمة عبر المشاركة في إنشائها.
الصورة الثانية : الاستثمار الوقفي بتملك أسهم في شركات مساهمة من خلال شراء أسهم فيما بعد إنشائها وقيامها.
الصورة الثالثة : الاستثمار الوقفي عن طريق المضاربة في صناديق تتولى ذلك، ومنها ما يكون منخفض المخاطرة، ومنها ما لا يكون كذلك. [ ص: 173 ]
ضوابط لاستثمار الوقف في الأسهم:
الضابط الأول: أن لا تكون تلك الأسهم في شركات قائمة على نشاط محرم، أو لا تتضمن معاملاتها ما يخالف قواعد الشريعة.
الضابط الثاني: انخفاض المخاطرة المتوقعة ; إذ يجب دراسة الجدوى وتأملها، فمتى ما كانت المخاطرة راجحة - وهو الأعم غالبا في المضاربة الفردية بالأسهم - وجب صرف المال الموقوف عن هذه الاستثمارات ذات المخاطر العالية، ويمكن أن تكون المخاطرة أقل في مثل أسهم التأسيس، أو نحوها من الصناديق ذات الدراسات الوافية والمخاطر المنخفضة.
الضابط الثالث : أن تحمي ذمة الوقف المالية عن طريق الدخول كشريك غير ضامن إلا في رأس المال; لئلا تنسحب الخسارة إلى مال الوقف الذي لم تتم المساهمة به.