الفصل الثالث
محاسبة الوالي على الوقف، وعزله
وفيه مبحثان :
المبحث الأول: محاسبة الناظر .
المبحث الثاني : عزل الوالي على الوقف.
[ ص: 400 ] [ ص: 401 ] المبحث الأول
محاسبة الناظر
وفيه مطالب :
المطلب الأول
تعريف المحاسبة، وبيان مشروعيتها
تعريف المحاسبة:
المحاسبة : من الحسب: وهو العد والإحصاء، والحسب والمحاسبة : عدك الشيء.
والحسب يطلق على قدر الشيء، يقال : الأجر بحسب ما عملت وحسبه : أي قدره.
ويطلق على الاكتفاء، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ، أي : يكفيك الله، ويكفي من اتبعك.
وإنما سمي الحساب في المعاملات حسابا ; لأنه يعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان.
[ ص: 402 ]
وأما في الاصطلاح فتختلف باختلاف الأبواب : فالحساب في اصطلاح الفرضيين مثلا : تأصيل المسائل، وحسابها .
وفي الاصطلاح: قواعد يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية.
والمحاسبة هنا : متابعة العامل، ومناقشته، ومساءلته عما أسند إليه .
جاء في المعجم الوسيط : "حاسبه محاسبة وحسابا: ناقشه الحساب وجازاه".
مشروعية
nindex.php?page=treesubj&link=4370محاسبة ناظر الوقف:
ناظر الوقف أمين على ما تحت يده من الأوقاف وغلاتها، لا يضمن ما تلف بلا تفريط ، والأصل صدقه فيما يقول، لكن ذلك لا يمنع محاسبته ومتابعته، فإن أئمة سلف الأمة لم يطلقوا الأمر للأمناء، بل تابعوهم وحاسبوهم، فأمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كان يحاسب عماله ويراقبهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي: "لقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يراقب الولاة بعين كالئة ساهرة"
مشروعية محاسبة نظار الأوقاف في الجملة:
قال
ابن نجيم نقلا عن القنية : "ينبغي للقاضي أن يحاسب أمناءه فيما في أيديهم من أموال اليتامى ليعرف الخائن فيستبدله، وكذا القوام على الأوقاف" .
[ ص: 403 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد في ناظر وقف على نساء: "لو كن غير مالكات لأمور أنفسهن لوجب إذا ثبت عند السلطان أنه سيئ النظر غير مأمون، يعزله، ويقدم سواه، ولم يلتفت إلى رضا من رضي به منهن".
وقال
ابن مفلح: "ولهم انتساخ كتاب الوقف والسؤال عن حاله " .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
مُحَاسَبَةُ الْوَالِي عَلَى الْوَقْفِ، وَعَزْلُهُ
وَفِيهِ مَبْحَثَانِ :
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: مُحَاسَبَةُ النَّاظِرِ .
الْمَبْحَثُ الثَّانِي : عَزْلُ الْوَالِي عَلَى الْوَقْفِ.
[ ص: 400 ] [ ص: 401 ] الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ
مُحَاسَبَةُ النَّاظِرِ
وَفِيهِ مَطَالِبُ :
الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ
تَعْرِيفُ الْمُحَاسَبَةِ، وَبَيَانُ مَشْرُوعِيَّتِهَا
تَعْرِيفُ الْمُحَاسَبَةِ:
الْمُحَاسَبَةُ : مِنَ الْحَسَبِ: وَهُوَ الْعَدُّ وَالْإِحْصَاءُ، وَالْحَسَبُ وَالْمُحَاسَبَةُ : عَدُّكَ الشَّيْءَ.
وَالْحَسْبُ يُطْلَقُ عَلَى قَدْر الشَّيْءُ، يُقَالُ : الْأَجْرُ بِحَسْبِ مَا عَمِلْتَ وَحَسْبُهُ : أَيْ قَدْرُهُ.
وَيُطْلَقُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ : يَكْفِيكَ اللَّهُ، وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعَكَ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحِسَابُ فِي الْمُعَامَلَاتِ حِسَابًا ; لِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمِقْدَارِ وَلَا نُقْصَانٌ.
[ ص: 402 ]
وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ : فَالْحِسَابُ فِي اصْطِلَاحِ الْفَرْضِيِّينَ مَثَلًا : تَأْصِيلُ الْمَسَائِلِ، وَحِسَابُهَا .
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: قَوَاعِدُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَجْهُولَاتِ الْعَدَدِيَّةِ.
وَالْمُحَاسِبَةُ هَنَا : مُتَابَعَةُ الْعَامِلِ، وَمُنَاقَشَتُهُ، وَمُسَاءَلَتُهُ عَمَّا أُسْنِدَ إِلَيْهِ .
جَاءَ فِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ : "حَاسَبَهُ مُحَاسِبَةً وَحِسَابًا: نَاقَشَهُ الْحِسَابَ وَجَازَاهُ".
مَشْرُوعِيَّةُ
nindex.php?page=treesubj&link=4370مُحَاسَبَةِ نَاظِرِ الْوَقْفِ:
نَاظِرُ الْوَقْفِ أَمِينٌ عَلَى مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الْأَوْقَافِ وَغَلَّاتِهَا، لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ ، وَالْأَصْلُ صِدْقُهُ فِيمَا يَقُولُ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مُحَاسَبَتَهُ وَمُتَابَعَتَهُ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ سَلَفِ الْأُمَّةِ لَمْ يُطْلِقُوا الْأَمْرَ لِلْأُمَنَاءِ، بَلْ تَابَعُوهُمْ وَحَاسَبُوهُمْ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَاسِبُ عُمَّالَهُ وَيُرَاقِبُهُمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ: "لَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ يُرَاقِبُ الْوُلَاةَ بِعَيْنٍ كَالِئَةٍ سَاهِرَةٍ"
مَشْرُوعِيَّةُ مُحَاسَبَةِ نُظَّارِ الْأَوْقَافِ فِي الْجُمْلَةِ:
قَالَ
ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلًا عَنِ الْقِنْيَةِ : "يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَاسِبَ أُمَنَاءَهُ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِيَعْرِفَ الْخَائِنَ فَيَسْتَبْدِلَهُ، وَكَذَا الْقَوَّامُ عَلَى الْأَوْقَافِ" .
[ ص: 403 ]
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13170ابْنُ رُشْدٍ فِي نَاظِرٍ وُقِفَ عَلَى نِسَاءٍ: "لَوْ كُنَّ غَيْرَ مَالِكَاتِ لِأُمُورِ أَنْفُسِهِنَّ لَوَجَبَ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّهُ سَيِّئُ النَّظَرِ غَيْرُ مَأْمُونٍ، يَعْزِلُهُ، وَيُقَدِّمُ سِوَاهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى رِضَا مَنْ رَضِيَ بِهِ مِنْهُنَّ".
وَقَالَ
ابْنُ مُفْلِحٍ: "وَلَهُمُ انْتِسَاخُ كِتَابِ الْوَقْفِ وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهِ " .