المطلب الثاني: شروط صحة الوصية للحمل
يشترط لصحة الوصية للحمل ما يلي:
الشرط الأول: أن يكون الحمل موجودا حال الوصية.
وبه قال جمهور أهل العلم: الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة .
وحجته: أن الوصية لغير الموجود وصية لمعدوم، وقد تقدمت الأدلة على عدم صحة الوصية للمعدوم.
ونوقش هذا الاستدلال: بما تقدم من المناقشة الواردة على هذه الأدلة.
القول الثاني: عدم اشتراط هذا الشرط فتصح لغير الموجود.
وهذا قول المالكية .
وحجته: ما تقدم من الأدلة على صحة الوصية للمعدوم.
[ ص: 451 ] الترجيح
الراجح - والله أعلم -: ما ذهب إليه المالكية ; لما تقدم من الأدلة على صحة الوصية للمعدوم.
فرع:
تقدم أن جمهور أهل العلم يشترطون وجود الحمل.
وقد اختلفوا على أقوال: بما يتحقق به وجود الحمل
فعند الحنفية : : يكون وجود الحمل إما بأن يعلم الموصي بحمل المرأة فيوصي لحملها، أو يعلم بحالتين
الأولى: إن كانت ذات زوج حقيقة أو حكما، كما إذا كانت مطلقة طلاقا رجعيا، يعلم به ما إذا أتت به لستة أشهر من الوصية أو أقل، من حين موت الموصي في ظاهر الرواية عندهم; لأن وقت نفوذ الوصية في حق الحمل وقت الموت، فيعتبر وجوده من ذلك الوقت.
وعند : أن تلده لستة أشهر من حين الوصية; لأن سبب الاستحقاق هو الوصية، فيعتبر وجودها عند الوصية. الطحاوي
والثانية: إن لم تكن ذات زوج كالطلاق البائن، أو المتوفى عنها زوجها بأن تأتي به لسنتين أو أقل، مع ثبوت نسبه لزوجها; لأننا بهذه الحال تيقنا وجود الحمل حين الوصية.
وأما الشافعية ، والحنابلة : فاشترطوا لصحة الوصية للحمل أن [ ص: 452 ] ينفصل حيا حياة مستقرة، ولو انفصل ميتا لا تصح له الوصية، ولو كان موته بجناية.
وأن يكون موجودا حال الوصية، ومعرفة ذلك بأمرين:
الأول: إن لم تكن المرأة فراشا، بأن تأتي به لأقل من أربع سنين.
الثاني: إن كانت المرأة فراشا; وذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر، وذلك أقل وقت الحمل، فإن أتت به لأكثر فلا; لاحتمال حدوثه بعد الوصية.
وبهذين الأمرين نتمكن من التيقن بوجود الحمل حال الوصية فتصح الوصية، وإلا فلا تصح له الوصية.
قال : "وتجوز الشافعي إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ثم يخرج حيا". الوصية بما في البطن ولما في البطن
وقال: "وإن كان الحمل الذي أوصى له غلاما أو جارية فأكثر، كانت الوصية بينهم سواء على العدد".
وقال أيضا: "وإن ، وقفت الوصية حتى تلد، فإذا ولدت لستة أشهر كانت الوصية له". مات الموصي قبل أن تلد التي أوصى لحملها
وقال في المغني: "متى أتت به لوقت يغلب على الظن أنه كان موجودا حال الوصية، مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل، أو تكون أمارات الحمل ظاهرة، أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجودا بأمارات الحمل؛ بحيث يحكم لها بكونها حاملا، صحت الوصية له".
[ ص: 453 ] الشرط الثاني: لأنه يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية، فلا تثبت له الوصية بالشك. أن ينفصل حيا، فإن انفصل ميتا، بطلت الوصية;
ويشترط: انفصاله كله حيا على خلاف بين أهل العلم.
القول الأول: أنه يشترط أن يخرج كله حيا.
وهو قول جمهور أهل العلم.
القول الثاني: أنه يشترط خروج أكثره حيا.
وهو قول الحنفية .
القول الثالث: أنه يكفي خروج بعضه حيا.
وهو قول الظاهرية .
الأدلة:
استدل الجمهور:
1 - ، فظاهره أنه لا بد من استهلاله جميعا، وحمله على البعض خلاف الظاهر، والأصل الحقيقة. إذا استهل المولود ورث
2 - ثبوت حياته، فجمهور العلماء أنها تثبت بكل ما يدل عليها من صراخ، وعطاس، وكثرة رضاع، وغير ذلك، كشهادة الطبيب.
وفي قول الإمام : إنه الصراخ وحده; لأن الاستهلال هو الصياح، والمفهوم إذا استهل لا يرث، والوصية أخت الميراث. مالك
[ ص: 454 ] ونوقش هذا الاستدلال: بأن الاستهلال لغة هو الظهور، من قولهم: إذا استهل الهلال، أي: ظهر، واللفظ يجب حمله على حقيقته.
وأجيب: بأن هذا التفسير مخالف لقول أهل اللغة: استهل المولود إذا بكى عند ولادته، ولما يلزم عليه من توريثه بمجرد ظهوره، ولو ميتا، وهو خلاف الإجماع.
الشرط الثالث: إن ، كأن يوصي لحمل فلانة من فلان، فيشترط أن يثبت نسب الحمل لأبيه المعين، فإن نفاه بلعان، أو انتفى عنه بدونه بطلت الوصية. أوصى لحمل امرأة من رجل بعينه
وحجة ذلك: أنها وصية مشروطة بثبوت نسبه من ذلك المعين، والمسلمون على شروطهم.
* * *