المسألة الثانية: أن تكون الوصية بالمنفعة مقيدة بزمن، أو مؤبدة:
إذا كانت الوصية بالمنفعة، مقيدة بزمن معين، أو مؤبدة، فمات الموصى له قبل نهاية المدة، فللعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أن المنفعة الموصى بها، تورث عن الموصى له فيما بقي من المدة.
وهو قول المالكية ، والصحيح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة .
[ ص: 99 ] القول الثاني: أن المنفعة الموصى بها لا تورث فيما بقي من المدة ، وتعود العين إلى ورثة الموصي.
وبه قال الحنفية ، وحكي وجها عند الشافعية .
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1 - أن المنفعة الموصى بها حق مالي، ومن مات عن حق مالي فلورثته.
2 - أن الموصى له يملك المنفعة الموصى بها، فتورث عنه كسائر أملاكه.
أدلة القول الثاني:
1 - أن الحق للموصى له بالمنفعة لا يحتمل التوريث; لأنها لا تبقى وقتين، فلا يتصور أن تكون مملوكة للمورث، ثم للوارث فتبطل الوصية بموته.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن المنافع مقدرة الوجود، فتأخذ حكم العين; لأنها جعلت موردا للعقد، والعقد لا يرد إلا على موجود، والدليل على ذلك صحة الاستئجار بأجرة مؤجلة، وما ليس بعين فهو دين، والدين بالدين حرام.
[ ص: 100 ] 2 - أن الوصية تمليك للمنفعة بغير عوض كالإعارة، فتبطل بموت الموصى له; كما تبطل العارية بموت المستعير.
ونوقش: بأن هذا قياس مع الفارق; إذ المستعير ليس مالكا، بل مباح له الانتفاع، بخلاف الموصى له فهو مالك.
3 - أن المنفعة بانفرادها لا تحتمل الإرث، وإن كان تملكها بعوض، كالإجارة فلأن لا تحتمل الإرث فيما هو تمليك بغير عوض أولى.
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم، بل المنفعة في الإجارة تورث; إذ هي مال من الأموال.
4 - أن الموصي أوجب الحق للموصى له، ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز.
ويناقش هذا الاستدلال: بأن ملك الموصي قد زال بموته، وانتقل الملك إلى الوارث، وملك الموصى له المنفعة بالقبول فتورث عنه; كمنفعة العين المستأجرة إذا مات المستأجر، ثم إن قصد الموصي بالوصية الأجر والثواب، وذلك لا يحصل إلا بالانتفاع بما أوصى به مدة الانتفاع.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني، وما ورد عليها من المناقشة.