التفسير: 
قال  ابن عباس  ، وغيره: كانت في الغنائم يوم بدر  قطيفة حمراء، ففقدت، فقال بعض الناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فنزل: (وما كان لنبي أن يغل) . 
 الضحاك   : لم يقسم النبي عليه الصلاة والسلام للطلائع، فعرفه الله تعالى وجه الحكم . 
وقيل: هو أمر من الله تعالى لنبيه بتبليغ جميع الوحي، هذا على قراءة من قرأ:  [ ص: 154 ]  (يغل) ، ومن قرأ: (يغل) ; جاز أن يكون المعنى: (يوجد غالا) ، أو: (ينسب إلى الغلول) ، أو يكون من (أغللته) ; إذا أخذت شيئا من المغنم بغير إذنه; إذا حاز الغنيمة. 
 الحسن   : معنى (يغل) : يخان، ووجه اختصاص النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، ولا ينبغي أن يخان نبي ولا غيره; التعظيم لخيانته، وأن أمر الغنائم إليه. 
وأصل الغلول: من الغلل; وهو دخول الماء في خلل الشجر; فالخيانة تكون في خفاء، من غير وجه الواجب، كالغلل. 
 (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)  قيل: يأتي به حامله على ظهره، عن  ابن عباس  وغيره، وروي معناه عن النبي عليه الصلاة والسلام. 
 (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله)   :  الحسن  ،  والضحاك   : المعنى: أفمن لم يغل كمن غل؟  الزجاج   : المعنى: أفمن اتبع رضوان الله بالجهاد في سبيله كمن باء بسخط من الله بالفرار منه رغبة عنه. 
 [ ص: 155 ] وقيل: هو عام في الطاعات والمعاصي. 
(هم درجات عند الله) : قال  مجاهد   : معناه: لهم درجات. 
غيره: هم ذوو درجات، ومعناه: أن الجنة طبقات، والنار أدراك; فأهلها مختلفون في الدرجات. 
وقيل: يراد به: اختلاف مرتبتي أهل الجنة وأهل النار; بما لهؤلاء من الثواب، وما لهؤلاء من العقاب. 
وقيل: المراد: من اتبع رضوان الله خاصة، أخبر أن منازلهم في الجنة متفاضلة بقدر أعمالهم.  
 (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم)  الآية: 
معنى كون الرسول منهم: ليعرفوا حاله، ولا يخفى عليهم طريقته، وقيل: ليشرفهم به، وقيل: ليسهل عليهم التعلم منه. 
وقوله: (أولما أصابتكم مصيبة) إلى قوله: (قل هو من عند أنفسكم) يعني: أنهم قتلوا يوم بدر  سبعين، وأسروا سبعين، وأصيب منهم يوم أحد  سبعون. 
(قلتم أنى هذا) : أي: من أين هذا ونحن نقاتل في سبيل الله؟(قل هو من عند أنفسكم) يعني: مخالفة الرماة. 
وقال  قتادة  ، والربيع  بن  أنس   : يعني: سؤالهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرج بعد أن أراد الإقامة بالمدينة،  وتأولها في الرؤيا التي رآها درعا حصينة. 
 علي  رضي الله عنه: هو اختيارهم الفداء يوم بدر  على القتل، وقد قيل لهم: إن فاديتم الأسرى; قتل منكم على عدتهم، فمعنى (من عند أنفسكم) على القولين  [ ص: 156 ] الأولين: بذنوبكم، وعلى القول الأخير: باختياركم. 
 (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله)   : دخلت الفاء; لأن خبر (ما) التي بمعنى (الذي) يشبه جواب الجزاء; من حيث كان متعلقا بالفعل في الصلة، كتعلقه بالفعل في الشرط. 
وقوله تعالى: (قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) : قال  السدي  ،  وابن جريج   : 
المعنى: إن لم تقاتلوا معنا; فكثروا سوادنا. 
(قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم) أي: لو علمنا أنه يكون بينكم وبينهم قتال; لاتبعناكم، وقائل ذلك فيما روي عبد الله بن أبي،  والذي قال لهم: (تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) :  عبد الله بن عمرو بن حرام.  
(هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) يعني: بما أظهروه، وكانوا قبل أن يظهروا ذلك في ظاهر أحوالهم إلى الإيمان أقرب. 
(يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) : تأكيد; إذ قد يخبر بالقول عن الاعتقاد وغيره. 
(الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا) يعني: عبد الله بن أبي  وأصحابه; إذ قالوا: لو أطاعنا من قتل يوم أحد;  ما قتلوا، فقال لهم الله تعالى:  (فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين)  أي: تجنبوا الأسباب التي فيها الهلاك (إن كنتم صادقين) :  [ ص: 157 ] في أنكم تعرفونها. 
وقوله: (بل أحياء عند ربهم يرزقون) أي: هم حيث يعلمهم ربهم دون الناس، وليس (عند) على معنى قرب المسافة. 
وقوله: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) الآية. 
 قتادة  ،  وابن جريج   : أي: يقولون: ليت إخواننا يقتلون كما قتلنا، فيصيبون من الثواب ما أصبنا. 
 السدي   : يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا. 
(يستبشرون بنعمة من الله وفضل) : (الفضل) : داخل في النعمة، وفيه دليل على اتساعها، وأنها ليست كنعيم الدنيا، وقيل: جاء الفضل بعد النعمة على وجه التأكيد. 
(وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) أي: ويستبشرون بأن الله. 
 (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح)    :  ابن عباس  ، وغيره: رجع المشركون يوم أحد  من الروحاء  إلى حمراء الأسد،  مؤملين الرجوع إلى المسلمين، فدعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى الخروج، فأجابوه فخرج بهم إلى حمراء الأسد;  وهي ثمانية أميال من المدينة،  وألقى الله الرعب في  [ ص: 158 ] قلوب المشركين، فانهزموا من غير قتال، وكان خروجه عليه الصلاة والسلام إلى حمراء الأسد  يوم الأحد ثاني يوم أحد.  
وروي: أن الآية نزلت في رجلين من بني عبد الأشهل،  كانا مثخنين جراحا، فتوكأ أحدهما على صاحبه، وخرجا مع النبي صلى الله عليه وسلم. 
(الذين قال لهم الناس) : قال  الواقدي،  وغيره: (الناس) ههنا: نعيم بن مسعود الأشجعي،  لقي المسلمين وهم متوجهون إلى بدر الصغرى  لموعد أبي سفيان  في سنة أربع - وكانت أحد في سنة ثلاث - فقال لهم: إن الناس قد جمعوا لكم; يعني: أبا سفيان  وأصحابه. 
وكذلك قال  مجاهد   : كان ذلك في بدر الصغرى.  
 السدي   : هو أعرابي ضمن له جعل على ذلك. 
 ابن عباس  ،  وقتادة   : هم ركب دسهم أبو سفيان  وأصحابه; ليثبطوا المسلمين عن اتباعهم يوم أحد  حين أرادوا الرجوع إليهم. 
وقوله: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) قيل: يعني: انقلابهم من حمراء الأسد  ثاني يوم أحد،  وقيل: يعني: انقلابهم من بدر الصغرى  وقد باعوا وابتاعوا، ولم يلقوا حربا; فـ (النعمة) : كفاية عدوهم، و (الفضل) : ربحهم في متاجرهم.  [ ص: 159 ] 
(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) : قال  ابن عباس  ، وغيره: المعنى: يخوفكم أولياءه; أي: يخوف المؤمن بالكافر. 
 الحسن  ،  والسدي   : المعنى: يخوف أولياءه المنافقين; ليقعدوا عن قتال المشركين. 
(ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) قال  مجاهد   : يعني: المنافقين، وقيل: الذين ارتدوا عن الإسلام. 
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) الآية. 
(الإملاء) : طول المدة، والمعنى: إنما نطول أعمارهم; ليعملوا بالمعاصي، لا لأنه خير لهم. 
 (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)   : قال  مجاهد  ،  وابن جريج   : أي: المنافق من المؤمن. 
 قتادة  ،  والسدي   : الكافر من المؤمن. 
 (وما كان الله ليطلعكم على الغيب)  أي: ليخبركم من يسلم، ومن يموت على الكفر. 
قال  السدي   : قال المشركون: إن كان محمد  صادقا; فليخبرنا من يؤمن ومن يكفر; فنزلت الآية . 
 (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله)  الآية. 
المعنى: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، فـ (هو) : فاصلة، وأضمر  [ ص: 160 ]  (البخل) ، وتقدير قراءة الياء والتاء مذكور فيما بعد . 
 السدي   : المراد بـ(البخل) في الآية: بخلهم في الإنفاق في سبيل الله، ومنعهم الزكاة. 
 ابن عباس   : بخل أهل الكتاب بما عندهم من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام وصفته. 
وفي الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام:  "ما من رجل له مال، ثم بخل بالحق في ماله; إلا طوقه الله يوم القيامة شجاعا أقرع"، ثم تلا الآية. 
(ولله ميراث السماوات والأرض) : جاء على ما تعرفه العرب، وليس على حد انتقال الأملاك بين المخلوقين; لأن الله عز وجل لم يزل مالكا للأشياء كلها. 
				
						
						
