[ ص: 172 ] وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة الآية، اشتقاق {آدم} من الأدمة في اللون; وهي السمرة، فلا يصرف على هذا الوجه إذا سمي به ثم نكر عند سيبويه.
وقيل: هو مشتق من (أديم الأرض) ؛ وهو وجهها، فيصرف إذا سمي به في المعرفة والنكرة.
قال مجاهد، وعكرمة، : علمه أسماء كل شيء. وابن جبير
: أسماء ذريته كلهم. ابن زيد
: أسماء الملائكة خاصة. الربيع بن خثيم
القتبي : أسماء ما خلق في الأرض، وقيل: أسماء الأشياء ومنافعها، [ ص: 173 ] وقيل: أسماء الأجناس والأنواع.
: أسماء ذريته، وأسماء الملائكة; لقوله: الطبري ثم عرضهم .
وقوله: ثم عرضهم على الملائكة قال : عرض الخلق، ابن مسعود : عرض الأسماء، ابن عباس : أصحاب الأسماء، مجاهد : أسماء ذريته. ابن زيد
وفي هذه الآية دليل على أن الاسم هو المسمى.
وقوله: إن كنتم صادقين أي: فيما ادعيتموه من العلم [والمعاندة، والفائدة في قوله تعالى للملائكة: أنبئوني بأسماء هؤلاء وهو يعلم أنهم لا يتمكنون من ذلك: أنه أراد أن يظهر بظهور عجزهم عن ذلك للمخلوقين ما فيه من مصلحة لهم].
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا أي: تنزيها لك أن يعلم أحد من علمك إلا ما علمته.
[ ص: 174 ] إنك أنت العليم بالسر والعلانية، {الحكيم} فيما تفعله، وأصل {الحكيم} من (أحكم الشيء) ؛ إذا أتقنه، ومنعه من الخروج عما يريده.
وقوله: وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون قيل: إن الذي أبدوه أنهم قالوا حين رأوا جسد آدم ملقى: لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم عليه منه، والذي كتموه ما أسره إبليس من المعصية.
وقيل: إن الذي أبدوه قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .
وقيل: معناه: أنه علم من آدم المعصية، والتوبة منها، وما يكون من ذريته.
فإن قيل: آدم بالأسماء صحة قوله؟ قيل: يجوز أن يكون الله تعالى أحدث لهم في الحال العلم بصحة قوله، وقيل: كانت لغات الملائكة مختلفة، فكل قبيلة منهم تعرف الأسماء بلغتها، فقال لهم تعالى: لتخبرني كل قبيلة منكم بجميع الأسماء على اختلاف اللغات، فلما أخبرهم بها آدم; أخبر كل قبيلة منهم صاحبه بصحة قوله. من أين علمت الملائكة حين أنبأها
[ ص: 175 ] وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس الآية: أصل (السجود) : الخضوع والتذلل، والسجود قوله تعالى: لآدم يحتمل أن يكون تكرمة له، كسجود أبوي يوسف وإخوته له، ويحتمل أن يكون جعل كالقبلة، فالمعنى: اسجدوا إلى آدم، فجعل لهم كالقبلة لنا.
و {إبليس} : مشتق من (الإبلاس) ؛ وهو اليأس من رحمة الله تعالى، ولم ينصرف; لأنه معرفة، ولا نظير له في الأسماء، فشبه بالأعجمية، قاله وغيره. أبو عبيدة،
وقيل: هو أعجمي لا اشتقاق له، فلم ينصرف للعجمة والتعريف، قاله الزجاج، وغيره.
وقوله: وكان من الكافرين أي: صار من الكافرين، ولم يكن قبله [ ص: 176 ] كافر، وقيل: بل كان قبله كفار; وهم الجن الذين كانوا في الأرض.
واختلف في استثناء فروي عن إبليس من الملائكة; وغيره: أنه كان من الملائكة، وكان من سكان الأرض، وكان شديد العبادة، واسمه: عزرائيل، وقيل: عزازيل، فقوله: ابن عباس كان من الجن [الكهف: 50] على هذا: أي لاستتارهم عن الأبصار. من الملائكة، سموا جنا;
وقيل: من الذين كانوا خزان الجنان، فنسبوا إليها.
وقيل: كان من جنس من الملائكة يسمى: الجن.
وقيل: معناه: عمل عملهم، فصار منهم.
الحسن : إبليس أصل الجن، وليس من الملائكة. وابن زيد
[ ص: 177 ] : كان من الجن الذين طردوا من الأرض، أسره بعض الملائكة، فكان عنده في السماء يتعبد مع الملائكة، فلما أمر بالسجود; امتنع. شهر بن حوشب
واستدل أصحاب هذا المذهب الأخير لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [التحريم: 6]. بقول الله تعالى في الملائكة:
وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما : (الرغد) : الكثير الذي لا عناء فيه.
ولا تقربا هذه الشجرة أي: لا تقرباها بالأكل، وهي السنبلة في قول والكرمة في قول ابن عباس، والتين في قول ابن مسعود، وغيره. ابن جريج
فتكونا من الظالمين أصل (الظلم) : وضع الشيء في غير موضعه، وقد يسمى به الشرك; كقوله: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الأنعام: 82]، والجحد; نحو: بما كانوا بآياتنا يظلمون [الأعراف: 9]، والنقص; نحو: وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [البقرة: 57].
واختلف في وسوسة إبليس إلى آدم وحواء ; فقيل: كان ذلك بسلطانه الذي [ ص: 178 ] ابتلي به آدم وذريته ولم يدخل الجنة; كقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » . إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم
وقيل: دخل الجنة في جوف الحية، فأغوى حواء حتى أكلت من الشجرة، ووسوس إلى آدم، وحملته حواء على الأكل فأكل.
وقيل: إنما تأول آدم وحواء أن النهي واقع على شجرة بعينها، لا على جميع الجنس، فأكلا من غير الشجرة التي أشير لهما إليها متأولين.
وقيل: تأولا النهي على الندب.
وأنكر كثير من المتكلمين أن يأتي نبي معصية وهو يعلم أنها معصية، وكان يقسم أن ابن المسيب آدم ما أكل من الشجرة وهو يعقل، لكن حواء سقته الخمر، حتى إذا سكر; قادته إليها فأكل، [وذكر كلاما لا يصح عن ]. ابن المسيب
[ ص: 179 ] فأزلهما الشيطان عنها قيل: هو من (زل عن المكان) ، وقيل: معناه: كسبهما الزلة.
فأخرجهما مما كانا فيه توكيد; إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة، ونسب ذلك إلى إبليس; لأنه كان بسببه.
وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو الأمر لآدم وحواء وإبليس والحية، جمعت قصتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان إبليس قد أهبط قبل ذلك.
وقيل: هو لآدم وحواء والحية.
[وقيل: لآدم وحواء والوسوسة، عن ]. الحسن
وقيل: لآدم وحواء وذريتهما; لأن الوالدين يدلان على الولد.
[وقيل: لآدم وحواء، خوطبا بلفظ الجمع، ويكون قوله: بعضكم لبعض عدو [ ص: 180 ] على هذا الوجه للذرية; أي: وقد علمت من حال ذريتكما أنهم يعادي بعضهم بعضا].
و (العدو) : يقع للواحد فما فوقه.
ولكم في الأرض مستقر قيل: مكان تستقرون فيه، وقيل: استقرار.
ومتاع إلى حين (المتاع) : الانتفاع، و (الحين) ههنا: فناء الآجال، عن . ابن عباس
غيره: يوم القيامة.
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قيل: المعنى: فهم، وفطن، و (الكلمات) في قول مجاهد، والضحاك، : [ وابن جبير ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [الأعراف: 23]].
: هي أن ابن عباس آدم قال: أي رب، ألم تخلقني بيديك؟ قال: بلى، قال: أي رب، ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب، ألم تسكني جنتك؟ قال:
[ ص: 181 ] بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم.
وعنه أيضا، وعن : أن الكلمات قول قاله وهب بن منبه آدم، وهو: [سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، عملت سوءا، وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك خير الغافرين]، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، عملت سوءا، وظلمت نفسي، فتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.
: قبل توبته; إذ وفقه للتوبة، و (تاب العبد) : رجع إلى طاعة ربه، [والله تواب] على عبده، والعبد تواب: كثير الرجوع إلى الطاعة، على التكثير. ومعنى (تاب عليه)
وأصل (التوبة) : الرجوع، وأخبر في قوله: فتاب عليه عن آدم، ولم يذكر حواء; لأنه دل بذكره التوبة عليه، على أنه تاب على حواء; إذ أمرهما سواء قاله وغيره. الحسن