التفسير:
تقدم القول في أول السورة، إلى قوله: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، وذكر ما فيه من الأحكام والتفسير.
وقوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج : (الحرج) : الضيق، ومنه: (الحرج) : للموضع الملتف الشجر.
وقوله: واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به : (الميثاق) في قول ابن عباس : هو ما أخذه على المؤمنين من والسدي السمع والطاعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أحبوا أو كرهوا.
[ ص: 417 ] : هو الميثاق الذي أخذه على بني آدم حين أخرجهم من ظهره كالذر. مجاهد
و (نعمة الله) ههنا بمعنى الجمع.
وقوله: هو أقرب للتقوى أي: أقرب لأن تتقوا الله ، وقيل : أقرب لأن تتقوا النار.
و (هو) من قوله تعالى: (هو أقرب) ضمير المصدر الذي دل عليه الفعل; كأنه قال: العدل أقرب للتقوى.
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية .
قال قتادة، ، وغيرهما: نزلت في قوم هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله منهم. ومجاهد
وقوله: وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا : قال : (النقيب) : الضمين. الحسن
هو، الشهيد على قومه، قال: جعل على كل سبط رجلا شاهدا على سبطه. قتادة:
هو الأمين، وحقيقته : الذي ينقب على أحوال قومه. الربيع بن أنس:
وقال الله إني معكم : قال قال ذلك للنقباء، وقال غيره: الربيع بن أنس: لبني إسرائيل كلهم.
[ ص: 418 ] وعزرتموهم : قال ، الحسن : أي: نصرتموهم. ومجاهد
عظمتموهم، وأصل (التعزير) : المنع، ومنه التعزير للأدب; لأنه يمنع المعزر عن معاودة مثل ما عزر عليه. أبو عبيدة:
فقد ضل سواء السبيل أي: قصد الطريق.
فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم أي: فبنقضهم، قال : يعني بذلك: المسخ الذي كان فيهم حين صاروا قردة وخنازير. الحسن
وجعلنا قلوبهم قاسية أي: يابسة غليظة.
ولا تزال تطلع على خائنة منهم : قيل: معنى (خائنة) : خيانة ، كما قال: والمؤتفكات بالخاطئة ، وقيل: هو نعت لمحذوف، والتقدير : فرقة خائنة، وقد تقع (خائنة) للواحد، كما يقال: (رجل نسابة) ، وشبهه.
: المراد به : مجاهد اليهود حين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم; إذ ذهب إليهم يستعين بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يعلم [ ص: 419 ] قاتلهما أن بينهما وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موادعة، فجاء الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما همت به اليهود; فأنذر أصحابه ، وانصرف.
ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم : (من) متعلقة بـ (أخذنا) ; أي: [أخذنا من الذين قالوا : إنا نصارى، ميثاقهم، كما تقول : "من زيد أخذت ماله".
ورتبة (الذين) أن تكون بعد) أخذنا( ، وقبل الميثاق، فيكون التقدير] : أخذنا من الذين قالوا: إنا نصارى ميثاقهم، ولا يصلح أن ينوي بـ (الذين) التأخير بعد (الميثاق) ; لتقدم المضمر على المظهر، وكونه
منويا بعد (أخذنا) سائغ; لأنهما مفعولان; فليست لأحدهما مزية في التقديم على الآخر، وتقديره عند الكوفيين: ومن الذين قالوا : إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم، فالهاء والميم يعودان على (من) المحذوفة ، والهاء والميم على [ ص: 420 ] القول الأول يعودان على (الذين) .
وفي قوله: ومن الذين قالوا إنا نصارى ، ولم يقل: (ومن النصارى) ; دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية، وتسموا بها، روي معناه عن الحسن.
وقوله: فنسوا حظا مما ذكروا به أي: تركوه.
فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أي: ألصقنا، ومنه : (غريت بالرجل غرا وغراء) ; إذا ألصقت به، و (أغريته بكذا حتى غري) ، (والإغراء بالشيء) : التسليط عليه، والمراد في الآية : اليهود والنصارى، و (الإغراء) : إلقاء العداوة بينهم، عن وقتادة. الحسن،
: هو اختلاف أهوائهم. النخعي
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا : يخاطب اليهود والنصارى.
يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب يعني: ما بينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجم الذي كتمه اليهود، وجاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ، ابن عباس وقتادة.
ويعفو عن كثير أي : يتركه; أي: يبين ما احتاج إلى بيانه مما فيه الدلالة على نبوته، والشهادة برسالته، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه.
[ ص: 421 ] قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين : (النور) : محمد صلى الله عليه وسلم ، عن وغيره، وقيل: النور: القرآن، وقيل: النور : التوراة، والكتاب المبين: القرآن. الزجاج
يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام أي: طرق السلام
، الحسن : (السلام) : الله عز وجل، والمعنى: دين الله. والسدي
: يكون (السلام) بمعنى السلامة; أي: طرق السلامة من كل الزجاج
آفة، والأمن من كل مخافة.
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم الآية.
أعلم الله ـ تعالى ـ أن المسيح لو كان إلها; لقدر على دفع ما ينزل به أو بغيره من أمر الله عز وجل.
و (يملك) بمعنى : يقدر ، من قولهم: (ملكت على فلان) ; إذا اقتدرت عليه.
ولله ملك السماوات والأرض : قال: (وما بينهما) ; لأنه أراد النوعين.
[ ص: 422 ] اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه وقالت : قال : قالت ذلك ابن عباس اليهود حين حذرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقاب الله.
زعمت السدي: اليهود أن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد.
إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد]. [الحسن:
وقيل ذلك في النصارى حين قالوا: المسيح ابن الله; كما يقال: العرب
شعراء ، وإن كان فيهم من ليس بشاعر.
وقيل: إنما قالت النصارى: نحن أبناء الله; لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى: أذهب إلى أبي وأبيكم، فاحتج الله عليهم بأنه يعذبهم، والوالد المشفق لا يعذب ولده ، ثم قال: ولله ملك السماوات والأرض ; محتجا عليهم بذلك; [لأن الوالد لا يملك ولده، ولأن من يملك ذلك] لا شبيه له.