وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت الآية.
قال سبب نزول هذه الآية: أن ابن عباس: تميما الداري وعديا - وكانا نصرانيين - خرج معهما رجل من المسلمين من بني سهم في سفر; فتوفي وليس [ ص: 523 ] معه غيرهما; فوصى إليهما، فأوصلا تركته إلى أهله، وحبسا جاما من فضة مخوصا بذهب; ففقده أولياء الميت; فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم; فاستحلفهما أنهما ما اطلعا عليه، ولا كتماه، ثم وجد الجام بمكة عند رجل، فقال: إنه اشتراه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا بالله أن هذا الجام لولينا، ولشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا، وأخذا الجام; فالآية عند أكثر العلماء منسوخة.
ولا تجوز وهو مذهب شهادة الكافر، مالك، وأبي حنيفة، وغيرهم، إلا أن والشافعي، كان يجيز شهادة الكفار على الكفار، ولا يجيزها على المسلمين. أبا حنيفة
وقوله: أو آخران من غيركم : قال أبو موسى الأشعري، وعبيدة السلماني، وغيرهم: يعني: من أهل الكتاب، وأجاز أصحاب هذا القول ومجاهد، خاصة; للضرورة. شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر
ومذهب مالك، وغيرهما: أن المعنى: من غير قبيلتكم. والشافعي،
إن شهدا و هما من غير العشيرة، وهما عدلان; مضت شهادتهما، وإن ارتيب في شهادتهما; حبسا بعد العصر، الحسن: فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ، فتمضي شهادتهما، وإنما استحلفا; لأنهما وصيان شاهدان; [ ص: 524 ] فإن اطلع بعد ذلك على أنهما شهدا بزور; حلف وليان من الورثة، واستحقا ما حلفا عليه، وهذا معنى: فآخران يقومان مقامهما ; أي: مقام الشاهدين.
ومعنى لشهادتنا أحق من شهادتهما : ليميننا أحق من يمينهما.
ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم أي: أقرب إلى أن يأتي الشاهدان بالشهادة على وجهها، ولا يغيراها.
فعلى قول يحلف الشاهدان، وليس ذلك بمنسوخ، ومن قال: إن معنى الحسن: ذوا عدل منكم : من المسلمين; كان معنى (من غيركم): من غير المسلمين، ومن قال: (منكم): من أهل الميت، كان معنى (من غيركم): من غير أهله.
وذهب بعض العلماء: إلى أن معنى (الشهادة) في قوله: شهادة بينكم : الحضور للوصية; فالمعنى: ليحضر اثنان; فهما وصيان، لا شاهدان، وذهب إلى أن (الشهادة) بمعنى: اليمين; فيكون المعنى: يمين بينكم أن يحلف اثنان، واستدل على أن ذلك غير الشهادة التي تؤدى للمشهود له: بأنه لا يعلم لله حكم يجب فيه على الشاهد يمين. الطبري:
[ ص: 525 ] ومعنى ضربتم في الأرض : سافرتم، وفي الكلام حذف; والتقدير: إذا ضربتم في الأرض، فأصابتكم مصيبة الموت، فأوصيتم إلى اثنين عدلين، ودفعتم إليهما ما معكم من مال، ثم متم، وذهبا إلى ورثتكم بالتركة، فارتابوا في أمرهما، وادعوا عليهما خيانة; فالحكم أن تحبسوهما من بعد الصلاة; أي: تستوثقوا منهما.
قال شريح، وغيرهما: هي صلاة العصر، وقال وابن جبير، الحسن:
صلاة الظهر.
المراد بالصلاة: صلاة أهل دينهما، هذا على أنهما غير مسلمين. ابن عباس:
ومعنى لا نشتري به ثمنا أي: بالقسم، وقيل: (الهاء) لاسم الله تعالى، ولو كان الذي يقسم له به ذا قربى منا.
وقيل: إنما ألزم الشاهدان اليمين; لأنهما ادعيا أن الميت أوصى لهما بوصية.