التفسير: 
قوله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله   :  [ ص: 249 ] الإخبار عن اليهود والنصارى في هذه الآية لفظه عموم، ومعناه الخصوص؛ لأن قائل ذلك بعضهم. وقيل: إن قائل ما حكي عن اليهود: سلام بن مشكم،  ونعمان بن أوفى،  وشأس بن قيس،  ومالك بن الصيف،  قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية فيهم، قاله  ابن عباس.  
وقوله تعالى: ذلك قولهم بأفواههم   : أكد بـ(الأفواه) ؛ إذ قد يخبر بـ(القول) عن الاعتقاد، [ويجوز أن يريد الله تعالى: أنه قول منهم، لا يعضده برهان، ولا يرجعون فيه إلا إلى اللسان، ويجوز أن يكون {بأفواههم} تأكيدا]. 
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل  أي: يشابهون. 
وقوله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله  معنى اتخاذهم إياهم أربابا: أنهم أحلوا لهم الحرام، فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال؛ فحرموه، روي معنى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. 
وقوله تعالى: أن يطفئوا نور الله بأفواههم   : قال  الحسن:  يعني: القرآن والإسلام، وقيل: هو الدلالة والبرهان. 
وقوله تعالى: ليظهره على الدين كله   : قال  أبو هريرة:  هذا عند خروج  [ ص: 250 ] عيسى  عليه السلام، وقيل: المعنى: ليعلمه شرائع الدين كلها؛ فتكون الهاء في {ليظهره} للنبي صلى الله عليه وسلم، قاله  ابن عباس،  والهاء في القول الأول لـ {الدين} . 
وقوله تعالى: ولا ينفقونها في سبيل الله   : الضمير للكنوز، ودل عليها {يكنزون} ، وقيل: هو للفضة التي أخبر عنها، واستغنى عن الإخبار عن الذهب إيجازا واختصارا، ومثله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها   [الجمعة: 11]. 
وقوله تعالى: ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض   : قال  مجاهد،   والحسن:  هذا في غزوة تبوك،  وكانت في شدة الحر. 
أرضيتم بالحياة الدنيا  أي: بنعيم الحياة الدنيا. 
وقوله تعالى: يعذبكم عذابا أليما   : قال  ابن عباس:  هو حبس القطر الذي حبسه عنهم حين تثاقلوا عن الخروج. 
وقوله: ولا تضروه شيئا   : قيل: (الهاء) لله تعالى، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم. 
وقوله: فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين  يعني:  أبا بكر  رضي الله عنه؛ والمعنى: أحد اثنين، واستدل بعض أهل العلم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار على جواز الفرار مما يخاف،  وفساد قول من منع ذلك وقال: من خاف مع الله سواه؛ لم يؤمن بالقدر. 
وقوله: فأنـزل الله سكينته عليه   : قيل: على أبي بكر،  وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء في {وأيده} : للنبي صلى الله عليه وسلم، و (الجنود) : هي الملائكة التي بشرته بالنصر، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين حين انصرفوا خائبين. 
 [ ص: 251 ] وجعل كلمة الذين كفروا السفلى   : {جعل} ههنا بمعنى: صير. 
وقوله تعالى: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك   : (العرض) : ما يعرض من منافع الدنيا، أخبر تعالى عنهم أنهم لو دعوا إلى غنيمة؛ لاتبعوه. 
ولكن بعدت عليهم الشقة   : {الشقة} : الغاية التي يقصد إليها، والمراد بذلك كله: غزوة تبوك.  
وقوله: عفا الله عنك   : قيل: إنه استفتاح كلام؛ كما تقول: رحمك الله، وأعزك الله؛ فالوقف عليه -على هذا- حسن، وقيل: المعنى: عفا الله عنك ما كان من ذنبك في إذنك لهم؛ فلا يحسن الوقف عليه على هذا التقدير. 
وقوله تعالى: حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين  أي: يتبين لك من صدق ممن نافق، ثم أعلم الله أن الاستئذان في التخلف من غير عذر  من علامات النفاق، فقال: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله  ، إلى قوله: فهم في ريبهم يترددون   . 
{وارتابت} معناه: شكت. 
وقوله: أن يجاهدوا  أي: كراهة أن يجاهدوا. 
فهم في ريبهم يترددون  أي: في شكهم يذهبون ويرجعون. 
وقوله تعالى: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة  أي: لتأهبوا أهبة السفر، ولكن كره الله انبعاثهم  أي: خروجهم، {فثبطهم} أي: حبسهم عنه. 
 [ ص: 252 ] وقيل اقعدوا مع القاعدين   : قيل: هذا من قول بعضهم لبعض، وقيل: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، و (القاعدون) : النساء والصبيان. 
وقوله: ما زادوكم إلا خبالا  يعني: فسادا. 
وقوله: ولأوضعوا خلالكم   : (الإيضاع) : سرعة السير؛ والمعنى: لأسرعوا فيما يخل بكم؛ أي: ينقصكم. 
 الحسن:  المعنى: لأوضعوا خلالكم بالنميمة، وإفساد ذات البين. 
وقيل: معناه: لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد، و (خلال القوم) : الفرج التي تكون بين الصفوف. 
وقوله تعالى: يبغونكم الفتنة  أي: يطلبون لكم الإفساد، وقيل: {الفتنة} ههنا: الشرك. 
وفيكم سماعون لهم  أي: من يستمع ويخبرهم،  قتادة:  المعنى: وفيكم من يقبل منهم. 
وقوله: ما زادوكم إلا خبالا   : ولم يكن المسلمون في خبال؛ لأن التقدير: ما زادوكم قوة، لكنهم يطلبون لكم الخبال، فهو استثناء منقطع. 
وقيل: قال ذلك؛ لأن ما يعرض في نفوس المسلمين من الآراء المختلفة كأنه بمنزلة الخبال. 
 [ ص: 253 ] وقوله تعالى: لقد ابتغوا الفتنة من قبل  أي: خبال أصحابك، وصدهم عن دينهم، من قبل  أي: من قبل أن ينزل عليك كشف سرائرهم. 
وقوله: وقلبوا لك الأمور  أي: أجالوا الرأي في إبطال ما جئت به، حتى جاء الحق  أي: نصر الله، وظهر أمر الله  أي: دينه. 
وقوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي  أي: ائذن لي في التخلف، ولا تفتني  أي: ولا تؤثمني بالعصيان في مخالفتك، قاله  الحسن،   وقتادة.  
 ابن عباس،   ومجاهد:  قيل لهم: تغزون، فتغنمون بنات الأصفر، فقال الجد بن قيس:  ائذن لي، ولا تفتني ببنات الأصفر، والأصفر:  رجل من الحبشة،  كان له بنات لم يكن في وقتهن أجمل منهن، وكان ببلاد الروم.  
ألا في الفتنة سقطوا  أي: ألا في الإثم سقطوا. 
وقوله تعالى: إن تصبك حسنة تسؤهم  أي: غنيمة، وإن تصبك مصيبة  أي: هزيمة؛ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل  أي: أخذنا بالحزم إذ لم نخرج. 
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا  أي: في اللوح المحفوظ، وقيل: ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنؤجر، أو نقتل فنكون شهداء. 
وقوله تعالى: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين  يعني: الغنيمة أو  [ ص: 254 ] الشهادة، عن  ابن عباس،   ومجاهد،  وغيرهما، واللفظ استفهام، والمعنى: التوبيخ. 
ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده  أي: عقوبة تهلككم، أو بأيدينا  أي: يسلطنا عليكم فنقتلكم. 
{فتربصوا} : تهدد ووعيد. 
وقوله تعالى: قل أنفقوا طوعا أو كرها  الآية: 
لفظه لفظ الأمر، ومعناه: الشرط والجزاء، وروي: أنها نزلت في الجد بن قيس  حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا مالي، أعينك به، ولا أخرج. 
وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله   : أخبر تعالى أن كفرهم أحبط أعمالهم. 
وقوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم  الآية: 
قال  ابن عباس،   وقتادة:  في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا؛ إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. 
 الحسن:  لا تقديم فيه ولا تأخير؛ والمعنى: ليعذبهم بإخراج الزكاة، والإنفاق في سبيل الله، وهذا اختيار  الطبري.  
 ابن زيد:  المعنى: ليعذبهم بالمصائب في الحياة الدنيا، فهي لهم عذاب، وللمؤمنين ثواب؛ فلا تقديم فيه أيضا ولا تأخير على هذا التأويل. 
[وقيل: تعذيبهم بها في الحياة الدنيا: غنيمة المسلمين أموالهم، وسبيهم  [ ص: 255 ] أولادهم، واسترقاقهم إياهم، فلا تقديم فيه ولا تأخير على هذا أيضا. 
وقيل: إن قوله: في الحياة الدنيا  ظرف لأفعالهم المتعلقة بأموالهم وأولادهم، والمعنى: أنه يعذبهم بأفعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم]. 
وتزهق أنفسهم وهم كافرون  أي: تخرج على الكفر، [وقوله: وهم كافرون   : يجوز أن يكون حالا، ويجوز أن يكون مستأنفا؛ معناه: أنهم مع تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا وزهق أنفسهم على الكفر صائرون إلى النار]، وقيل: المعنى: يغلظ عليهم المكروه؛ حتى تزهق أنفسهم على الكفر. 
وقوله تعالى: ويحلفون بالله إنهم لمنكم  الآية: هذا في وصف المنافقين،  ومعنى {يفرقون} : يخافون. 
وقوله تعالى: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون   : (الملجأ) : الحصن، عن  قتادة  وغيره،  ابن عباس:  الحرز، وهما سواء. 
و (المغارات) : الغيران، عن  ابن عباس.  
و (المدخل) : السرب، وهو (مفتعل) من الدخول. 
ومعنى {يجمحون} : يسرعون، وأصله: مضي المرء على وجهه، ومنه: (الفرس الجموح) : الذي إذا حمل لم يرده اللجام؛ والمعنى: أنهم لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة؛ لولوا إليه مسرعين. 
ومنهم من يلمزك في الصدقات  أي: يطعن عليك، عن  قتادة،   الحسن:  
 [ ص: 256 ] يعيبك، و (اللمز) في اللغة: العيب في السر، وروي: أن أعرابيا جافيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا، فجلس، فلم يعطه شيئا، فقال: والله لئن كنت تزعم أن الله أمرك بالعدل؛ فما أراك تعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك، فمن يعدل عليك بعدي؟"؛ فنزلت الآية فيه. 
وقوله تعالى: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله   : جواب {لو} محذوف، والتقدير: لو فعلوا ذلك؛ لكان خيرا لهم. 
				
						
						
