وقوله: آوى إليه أخاه أي: ضمه، ويروى: أنه أمر صاحب ضيافته أن ينزلهم رجلين رجلين، فبقي أخوه وحده، فقال يوسف: أنا أنزل هذا عند نفسي، فأنزله، وأعلمه بنفسه، وأسر ذلك إليه.
قال وهب: لم يقل له: إنه أخوه من النسب، إنما قال له: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، وإنما أخبره أنه أخوه بعد انصرافهم وبقائه عنده.
وقوله تعالى: جعل السقاية في رحل أخيه يعني: صواع الملك الذي يشرب فيه، وروي: أنه كان مستطيلا كالمكوك، مصوغا من فضة، مموها بالذهب.
وقوله: ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون : أمر بالنداء بذلك لما تقدم لهم من فعلهم في يوسف، و {العير}: قافلة الحمير، عن وغيره، ثم كثر ذلك حتى سميت به كل قافلة. مجاهد،
[ ص: 519 ] وقوله: لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين : قيل: إنهم كانوا لا ينزلون على أهل ظلم، ولا يرعون زرع أحد، ويجعلون الأكمة في أفواه إبلهم، وروي: أنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم.
وقوله: قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أي: ما جزاء من سرق؟ قالوا جزاؤه من وجد في رحله أي: جزاؤه أن يستعبد، وهذا كان حكم السارق عندهم، وكان حكمه عند أهل مصر: أن يغرم ضعفي ما أخذ، ويترك، قاله الحسن، وغيرهما. والسدي،
وقوله: فهو جزاؤه : (هو): يعود على الاستعباد المحذوف.
المعنى: قال إخوة الطبري: يوسف: جزاء السارق: من وجد في متاعه السرق؛ فهو جزاؤه؛ أي فتسليم السارق جزاء السرق، وهو مذكور في الإعراب.
وقوله: كذلك كدنا ليوسف أي: صنعنا له.
ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك يعني: في الحكم الذي كان يحكم به الملك، إلا أن يشاء الله أي: إلا أن يطلق له ذلك.
وأصل (الدين): العادة، ويكون على وجوه، وقد قدمناها فيما سلف.
وقوله: وفوق كل ذي علم عليم أي: فوق كل ذي علم من هو أعلم منه، [ ص: 520 ] حتى ينتهي العلم إلى الله عز وجل.
وقيل: (العليم): الله عز وجل.
وقوله: قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل : ذكر المفسرون: أن جد يوسف لأمه كان يعبد صنما، فأمرته أمه بأخذه، فأخذه، وجاء به إليها؛ فلذلك نسبوا السرق إليه.
وقال بعضهم: كانت عمته ربته، فأرادوا أن يأخذوه منها، فاحتالت لبقائه عندها بأن ربطت على وسطه منطقة من ذهب، وقالت: إنه سرقها؛ لتستعبده بذلك.
وقيل: المعنى: فقد قيل: سرق أخ له من قبل، ولم يقطعوا بذلك.
وقوله: فأسرها يوسف في نفسه : قال وغيره: الذي أسر ابن عباس، يوسف، قوله: أنتم شر مكانا ، وقيل: المعنى: أسر المجازاة.
ومعنى: أنتم شر مكانا أي: في السرق؛ لأنكم سرقتم أخاكم، وبعتموه.
والله أعلم بما تصفون أي: أعلم أسرق أخوه أم لا؟
وقوله: قالوا يا أيها العزيز يعنون: يوسف عليه السلام، وروي: أن الملك عزل العزيز وولاه.
وقوله: فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا أي: يتناجون، و (نجي): واحد [ ص: 521 ] بمعنى الجمع.
وقوله: قال كبيرهم : قال هو قتادة: روبيل، كان أكبرهم في السن.
هو مجاهد: شمعون، كان أكبرهم في الرأي.
ومن قبل ما فرطتم في يوسف أي: وتعلموا تفريطكم في يوسف من قبل.
وقوله: أو يحكم الله لي أي: يحكم لي بالموت، وقيل: برجوعي مع أخي.
وقيل: أو يحكم الله لي بالسيف، فأقاتل حتى آخذ أخي.
وجاء في الخبر: أن يهوذا قال: أيها الملك؛ لئن لم تخل معنا أخانا؛ لأصيحن صيحة لا تبقى في مدينتك حامل إلا أسقطت ما في بطنها، وكان ذلك خاصا فيهم عند الغضب، فكلم يوسف ولدا له صغيرا بالقبطية، وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث لا يراه، ففعل، فسكن غيظه، فقال: لقد مسني أحد من ولد يعقوب.
ارجعوا إلى أبيكم : هذا قول كبيرهم الذي بقي بمصر.
وقيل: هو من قول يوسف؛ والمعنى على هذا: في علمكم، ويدل عليه قوله تعالى: وما شهدنا إلا بما علمنا .
[ ص: 522 ] وقيل خشي على نفسه وإخوته أمرا جاز له الكذب بسببه.
وقيل: المراد بقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا : قولهم ليوسف: إن السارق يؤخذ في سرقته عبدا؛ فيكون معنى وما كنا للغيب حافظين : ما علمنا أنه يسرق.
وقوله: واسأل القرية التي كنا فيها أي: أهل القرية التي كنا فيها؛ وهي مصر في قول وغيره. ابن عباس،
وقوله: وقال يا أسفى على يوسف : قال الحسن، المعنى: يا حزناه على وقتادة: يوسف، و (الأسف): أشد الحزن على ما فات، والنداء على معنى: تعال يا أسف، فإنه من أوقاتك.
وقوله تعالى: وابيضت عيناه من الحزن قيل: عمي.
فهو كظيم : (الكظيم) الذي يمسك الحزن في قلبه فلا يبثه.
مجاهد، وغيرهما: كظيم على الحزن، لم يقل شيئا. وقتادة،
كظيم بالغيظ على نفسه؛ لم أرسله معهم؟ الحسن:
{كظيم}: كميد. الكلبي:
وقوله: قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف أي: لا تزال تذكره؛ فحذف (لا)، [ ص: 523 ] قاله ابن عباس، وغيرهما. ومجاهد،
حتى تكون حرضا : قال (الحرض): ذو المرض والبلاء. ابن عباس:
المعنى: حتى تكون ذا هرم، أو تكون من الميتين. الحسن:
معنى {حرضا}: دون الموت. مجاهد:
أو تكون من الهالكين أي: أو تموت.
(الحرض): الذي قد رد إلى أرذل العمر فلم يعقل. ابن زيد:
وأصل (الحرض): فساد الجسم والعقل؛ للحزن والحب.
(الحارض): الفاسد الجسم والعقل، وكذلك (الحرض)، ولا يثنى (حرض)، ولا يجمع. الفراء:
قال بعض العلماء: إنما حزن يعقوب على يوسف خوفا على دينه.
وقيل: ندما؛ إذ سلمه إلى إخوته وهو صغير.
وقيل: الحزن مذموم إلا مع الغلبة.
وقوله تعالى: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله : (البث): أشد الحزن، وحقيقته: ما يرد على المرء من الأشياء التي لا يمكنه إخفاؤها، وقيل: أصلها:
[ ص: 524 ] التفريق؛ فـ (البث): تفريق الهم عن القلب بإظهاره.
وأعلم من الله ما لا تعلمون أي: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني ساجد له، قاله ابن عباس.
إني أعلم من إحسان الله عز وجل إلي ما يوجب حسن ظني به. قتادة: