[ ص: 553 ] التفسير:
تقدم القول في {المر}، وفي تلك آيات الكتاب .
وقوله تعالى: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها : قال المعنى: أنها بعمد، ولكن لا ترونها، قال: وعمدها قاف؛ وهو الجبل المحيط بالدنيا، من زبرجد أخضر من زبرجد الجنة، والسماء مقبية عليه، وخضرتها من خضرته. ابن عباس:
قتادة، وغيرهما: المعنى: أنه لا عمد لها. والحسن،
وقوله: كل يجري لأجل مسمى أي: إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى: يجري مجرى لا يعدوه.
وقوله: وهو الذي مد الأرض أي: بسطها.
وجعل فيها رواسي أي: جبالا ثابتة.
وقوله: ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يعني: صنفين.
(الزوج): واحد، ويكون اثنين. أبو عبيدة:
يعني بـ(الزوجين) ههنا: الذكر والأنثى، وهذا خلاف النص. الفراء:
وقيل: معنى زوجين اثنين : نوعان؛ كالحلو والحامض، ونحو ذلك.
وقوله: وفي الأرض قطع متجاورات : قال ابن عباس، ومجاهد، يعني مجاورة الأرض الطيبة العذبة الأرض الخبيثة؛ كالسبخة، ونحوها. والضحاك:
[ ص: 554 ] وقيل: في الكلام حذف؛ والمعنى: متجاورات وغير متجاورات، فـ (المتجاورات): المدن، و (غير المتجاورات): الصحاري.
وقوله تعالى: صنوان وغير صنوان : قال (الصنوان): النخلة يخرج من أصلها نخلات، تحمل بعضها، ولا تحمل البعض، فيكون أصلها واحدة، ورؤوسها مفترقة، ابن عباس: وغير صنوان : كل واحدة من النخل في أصل واحد.
هذا الحسن: لأنهم خلقوا من آدم، وقلوبهم مختلفة؛ كما أن الأرض كانت في يد الرحمن، فبسطها، وجعلها تسقى بماء واحد، وفيها الطيب والخبيث. مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم؛
و (الصنوان): جمع (صنو)، ويجمع في القليل على (أصناء)، والكثير على (صني)، و (صني).
وقوله: ونفضل بعضها على بعض في الأكل : قال يعني: الحلو والحامض، والفارسي، والدقل، فنبه الله تعالى بما ذكره من قدرته على وحدانيته. ابن عباس:
وقوله تعالى: وإن تعجب فعجب قولهم الآية:
[ ص: 555 ] العجب في قوله: {فعجب} مردود إلى المخلوقين؛ كأنه قال: فمما ينبغي أن تعجبوا منه إنكارهم البعث بعد الموت.
وقوله: وأولئك الأغلال في أعناقهم : قيل: يعني: الأغلال التي يغللون بها في النار، وقيل: يعني: الأعمال.
وقوله: ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة أي: بالعقوبة قبل العافية، وهو قولهم: فأسقط علينا كسفا من السماء [الشعراء: 187]، ونحوه.
وقوله تعالى: وقد خلت من قبلهم المثلات يعني: العقوبات، عن وهو معروف في اللغة، يقال للعقوبة الشديدة: (مثلة)، و (مثلة). قتادة،
{المثلات}: الأمثال. مجاهد:
وقوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد أي: داع يدعوهم؛ يعني: نبيا، وروي معناه عن مجاهد، وابن زيد.
الحسن، وغيرهما: (الهادي): وعكرمة، محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس، وغيرهما: هو الله عز وجل. وابن جبير،
أبو صالح: لكل قوم قادة تدعوهم إما إلى هدى، وإما إلى ضلالة.
وقوله تعالى: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار : قال ابن عباس:
[ ص: 556 ] {مستخف}: مستتر، و {سارب}: ظاهر.
{مستخف}: مستتر بالمعاصي، {سارب}: ظاهر. مجاهد:
قطرب: مستخف بالليل : ظاهر، من قولهم: (خفيت) ؛ إذا أظهرت، و {سارب}: مستتر، من قولهم: (انسرب الوحش) ؛ إذا دخل كناسه.
وقيل: معنى {سارب}: ذاهب.
سرب يسرب سربا وسروبا؛ إذا ذهب. الكسائي:
أبو رجاء: (السارب): الذاهب على وجهه.
وقيل: هو المتصرف في نهاره بسرعة، من قولهم: (انسرب الماء).
وقوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله : قال الحسن، ومجاهد، معناه: أن وقتادة: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار.
المعنى: ملائكة يحفظونه من أمر الله، فإذا جاء القدر؛ خلوا بينه وبينه، وقال: ومعنى ابن عباس: من أمر الله : بأمر الله؛ بإذن الله.
وعن أيضا: أنهم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم، فإذا جاء أمر الله؛ لم يغنوا عنهم شيئا، وقال بمعناه ابن عباس وكذلك قال عكرمة، هو السلطان المخترس من أمر الله المشرك. الضحاك:
[ ص: 557 ] (المعقبات): أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر. الحسن البصري:
واختيار أن (المعقبات): المواكب بين أيدي الأمراء وخلفهم، و (الهاء) في {له} لـ {من} ؛ وهو المستخفي بالليل، فوصف بأنه قد جعل لنفسه حرسا من حدوث أمر الله تعالى، وذلك لا يغني عنه شيئا. الطبري:
واختار النحاس: أن تكون (المعقبات): الملائكة، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا كانت (المعقبات) الملائكة؛ احتمل قوله: "ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار"، من أمر الله أن يكون (بأمر الله)، واحتمل أن يكون المعنى: له معقبات من أمر الله من بين يديه ومن خلفه يحفظونه، وهو مروي عن مجاهد، وابن جريج.
وقيل: المعنى: يحفظونه من الجن؛ فـ أمر الله -على هذا- يراد به الجن؛ فلا تقديم ولا تأخير فيه.
وعن أيضا: أن المعنى: يحفظون عمله، فحذف المضاف. ابن جريج
ويجوز-إذا كانت (المعقبات) الملائكة-أن تكون (الهاء) في {له}: لله عز [ ص: 558 ] وجل، و (الهاء) في قوله: من بين يديه ومن خلفه : للمستخفي، ويجوز أيضا أن تكون (الهاء) في {له}: للمستخفي.
وقيل: إن قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يعني به: النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: أن الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أعدائه.
ومن جعل "المعقبات" الحرس؛ فالمعنى: يحفظونه من أمر الله على ظنه وزعمه.
وروي: أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس، حين أرادا الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل الله تعالى على هذه الآيات نزلت في أربد صاعقة، فمات، ففيه نزلت ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء [الرعد: 13]، وأصاب عامرا الطاعون في عنقه، فمات.
وقيل: نزلت في يهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني من أي شيء ربك؟ أمن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة، فأحرقته، روي ذلك عن أنس، ومجاهد.
وقوله: وما لهم من دونه من وال أي: لا يتولاهم أحد من دون الله، و {وال} و (ولي): كـ (قادر) و (قدير).
وقوله: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا : قال مجاهد، [ ص: 559 ] {خوفا}: للمسافر، و {طمعا}: للحاضر. وقتادة:
{خوفا}: من الصواعق التي تكون مع البرق، و {طمعا}: في الغيث. الحسن:
وقوله: وهم يجادلون في الله : يجوز أن يكون حالا، ويجوز أن يكون منقطعا، وقد روي القولان، وقد تقدم ذلك.
وهو شديد المحال : قال أي: الحول. ابن عباس:
الحيلة. قتادة:
المكر، والهلاك. الحسن:
هو من المحل؛ وهو: الشدة. أبو عبيدة:
ومن جعله من (الحول) ؛ فوزنه: (مفعل).
ومن جعله من (محل) ؛ فوزنه: (فعال).
أبو علي: لا تكون الميم في {المحال} زائدة؛ لأنه لو كان كذلك؛ لم تعل العين، كما لم تعل في نحو: (المحول)، و (المقول)، ونظائره، ولم نعلم شيئا من هذا جاء معتلا، وأيضا فإن المصدر لا يكون على (مفعل).