التفسير:
قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله : يعني: مسجد إيليا، سمي الأقصى; لبعد مسافة ما بينه وبين المسجد الحرام، وحديث الإسراء مشهور، وقد ذكرته في ((الكبير)) .
وقوله: الذي باركنا حوله : قيل: يعني: ما حوله من الأنهار والبركات، [ ص: 77 ] وقيل: يعني: تطهيره من الشرك، واختصاصه إياه بالأنبياء عليهم السلام.
وقوله: وآتينا موسى الكتاب : [المعنى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا، وآتى موسى الكتاب]; فخرج من الغيبة إلى الإخبار عن نفسه تعالى، وقوله [أيضا: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا معناه: أسرينا بعبدنا، فدل عليه ما بعده من قوله: لنريه من آياتنا ، فحمل وآتينا موسى الكتاب على المعنى.
وقوله تعالى]: ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي: شريكا، عن مجاهد، وقيل: كفيلا، وقيل: ربا.
الفراء: كافيا; والتقدير: عهدنا إليه في الكتاب ألا تتخذوا من دوني وكيلا، وقيل: التقدير: لئلا تتخذوا.
وقوله: ذرية من حملنا مع نوح أي: يا ذرية من حملنا مع نوح; على النداء، والمراد بـ(الذرية) : كل من احتج عليه بالقرآن; وهم جميع من على الأرض.
[ ص: 78 ] إنه كان عبدا شكورا : قال قتادة: كان إذا لبس ثوبا قال: بسم الله، وإذ نزعه قال: الحمد لله.
وقال غيره: كان يقول ذلك إذا أكل، وإذا فرغ من أكله.
وروي: أنه كان يقول إذا خرج منه البراز: الحمد لله [الذي سوغنيك طيبا، وأخرج عني أذاك، وأبقى في منفعتك.
وقوله تعالى]: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب : قال ابن عباس: أي: أعلمنا، وأصل (القضاء) : الأحكام للشيء، والفراغ منه.
وقوله تعالى: لتفسدن في الأرض مرتين : قال مجاهد: جاءهم بختنصر; فهزمه بنو إسرائيل، ثم جاءهم ثانية; فقتلهم، ودمرهم تدميرا.
قتادة: بعث عليهم في أول مرة جالوت، وفي الثانية بختنصر.
وقوله تعالى: فإذا جاء وعد أولاهما أي: أولى المرتين.
فجاسوا خلال الديار أي: ترددوا، وتخللوا بين الدور.
ثم رددنا لكم الكرة عليهم يعني: ما فعل بهم في زمن طالوت حين قتل جالوت.
[ ص: 79 ] وقوله تعالى: وجعلناكم أكثر نفيرا : يجوز أن يكون {نفيرا} جمع (نفر) ، ويجوز أن يكون بمعنى: (نافر) ; وهو من نفر مع الإنسان من عشيرته وأصحابه.
فإذا جاء وعد الآخرة يعني: الآخرة من المرتين; ليسوءوا وجوهكم أي: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم; يعني به: ما فعل بهم بختنصر، وحذف جواب (إذا) في الثاني; لدلالة الأول عليه.
وقيل: إن إفسادهم الثاني هو قتل يحيى بن زكريا.
وقوله تعالى: وليتبروا ما علوا تتبيرا أي: وليدمروا ما غلبوا عليه، ويفسدوه.
وقوله: عسى ربكم أن يرحمكم وقد فعل ذلك بهم، فكثر عددهم، وجعل منهم الملوك.
الضحاك: (الرحمة) : محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وإن عدتم عدنا أي: وإن عدتم إلى الفساد; عدنا إلى الانتقام.
قال ابن عباس: فعادوا; فسلط الله عليهم ثلاثة من ملوك فارس، وعنه وعن قتادة: سلط الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
[ ص: 80 ] وقوله: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي: محبسا، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما.
الحسن: مهادا.
وقوله تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أي: للحال التي هي أقوم; وهي الإيمان والتوحيد.
وقوله: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير : قال ابن عباس، وغيره: أي: يدعو على نفسه وولده; أي: عند غضبه.
وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، كان يدعو ويقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32].
وكان الإنسان عجولا : روي: أن الله تعالى لما نفخ في آدم من روحه; جاءت النفخة من قبل رأسه; فهم أن يقوم قبل تمام خلقه.
وقوله تعالى: وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية:
قال ابن عباس: خلق الله تعالى شمسين من نور عرشه، فجعل ما سبق في علمه أن يكون شمسا مثل الدنيا، على قدرها ما بين مشارقها إلى مغاربها، وجعل القمر دون الشمس، وأرسل جبريل; فأمر جناحه على وجهه ثلاث [ ص: 81 ] مرات وهو يومئذ شمس، فطمس ضوءه، وبقي نوره، فالسواد الذي ترونه في القمر أثر المحو، ولو تركه شمسا لم يعرف الليل من النهار.


