التفسير:
الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين : قال قوله تعالى: مجاهد: أدنى الأرض : الجزيرة، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس.
عكرمة: أدنى الأرض : أذرعات، وبها التقوا، فهزمت الروم.
كان المسلمون يحبون أن تظهر ابن عباس: الروم على فارس؛ إذ هم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ [لأنهم أهل أوثان]، فغلبت الروم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم سيغلبون في بضع سنين"، فقامر المشركين على ذلك، وكان القمار حلالا، وجعل الأجل بينه وبين [ ص: 206 ] أبو بكر الصديق أمية بن خلف على ثلاث قلائص، إلى ثلاث سنين، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يستزيده في القلائص وفي السنين، ويجعلوا القلائص عشرا، والأجل ست سنين.
وقيل: جعل أبو بكر وأمية بن خلف مئة قلوص بمئة قلوص، إلى تسع سنين، فغلبت الروم عند رأس السبع.
ويقال: إن ذلك كان يوم بدر، غلب المسلمون المشركين، والروم أهل فارس، قال وهو قوله: الخدري: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
وقوله: لله الأمر من قبل ومن بعد أي: من قبل كل شيء، ومن بعد كل شيء، وقيل: المعنى: لله القضاء بالغلبة من قبل الغلبة، ومن بعدها.
[ ص: 207 ] وقوله: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يعني: أمر معايشهم ودنياهم، وقيل: هو ما تأتيهم به الشياطين من استراق السمع.
وقيل: (الظاهر): الباطل، كما قال في موضع آخر: أم بظاهر من القول [الرعد: 33].
وقوله: أولم يتفكروا في أنفسهم : قوله: في أنفسهم : ظرف لـ (التفكر)، وليس بمفعول تعدى إليه {يتفكروا} بحرف جر؛ لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم؛ إنما أمروا أن يستعملوا التفكر في خلق السماوات والأرض في أنفسهم.
وقوله: وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها يعني: بالزراعة والسكنى.
وقوله: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن : {السوأى}: (فعلى) من (السوء)، وقيل: يعني بها ههنا النار، قاله ابن عباس.
[ ص: 208 ] ومعنى {أساءوا}: أشركوا، ودل عليه: أن كذبوا بآيات الله .
وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون أي: يتفرق المؤمنون من الكافرين.
وقوله: فهم في روضة يحبرون أي: يسرون سرورا يظهر عليهم أثره، وأصله: من (التحبير) ؛ وهو التحسين.
{يحبرون}: يكرمون، ابن عباس: ينعمون، الأوزاعي عن مجاهد: هو السماع في الجنة. يحيى بن أبي كثير:
وقوله: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى: وحين تظهرون : قال ابن عباس: حين تمسون : المغرب والعشاء، وحين تصبحون : صلاة الفجر، {وعشيا}: صلاة العصر، وحين تظهرون : الظهر.
وقوله: وجعل بينكم مودة ورحمة : قال (المودة): الجماع، و (الرحمة): الولد. مجاهد:
وقيل: (المودة والرحمة): عطف قلوب بعضهم على بعض.
إن في ذلك لآيات للعالمين يعنى: الجن والإنس.
[ ص: 209 ] وقوله: ومن آياته منامكم بالليل والنهار : قيل: في هذه الآية تقديم وتأخير؛ والمعنى: ومن آياته منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار، فحذف حرف الجر؛ لاتصاله بـ (الليل)، وعطفه عليه، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة.
وقوله: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا أي: ومن آياته أنه يريكم البرق، وقيل: المعنى: ويريكم البرق من آياته.
وتقدم القول في قوله: خوفا وطمعا .
وقوله: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره . أي: أن تدوما قائمتين.
وقوله: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون : الوقف عند نافع ويعقوب الحضرمي على {دعوة} ؛ والمعنى فيما بعده: إذا أنتم تخرجون من الأرض.
والوقف عند أبي حاتم على قوله: من الأرض ؛ والمعنى: دعاكم وأنتم في الأرض.
ولا يختار الوقف على واحد منهما؛ لأن {إذا} الثانية جواب لـ {إذا} الأولى على مذهب الخليل كأنه قال: إذا دعاكم خرجتم؛ فالتمام: وسيبويه؛ إذا أنتم تخرجون .
[ ص: 210 ] وقوله: وله من في السماوات والأرض : وهذا أيضا من آياته، فحذف؛ لأن في الكلام دليلا عليه.
وقوله: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه : الضمير في {عليه} للمخلوق في قول أي: والإعادة أهون على المخلوق؛ لأنه يقول له: (كن)، فيكون من غير انتقال من حال إلى حال. ابن عباس؛
الضمير لله عز وجل؛ والمعنى: والإعادة أهون عليه من الابتداء، والجميع هين عليه؛ والمعنى على هذا: وهو أهون عليه عندكم، وفيما تعرفون. مجاهد:
المعنى: وهو هين عليه، قال: وكذلك قراءة قتادة: ابن مسعود.
تعجب الكفار من إحياء الله تعالى الموتى، فنزلت هذه الآية. عكرمة:
وقوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم الآية: قال هذا مثل ضربه الله للمشركين؛ المعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله؟ فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم؛ فكيف جعلتم لله شركاء؟! قتادة:
وقوله: تخافونهم كخيفتكم أنفسكم : قيل: معناه: كخيفتكم شركاءكم [ ص: 211 ] في أموالكم، الذين لا تقطعون أمرا دونهم، وقيل: المعنى: تخافون عبيدكم أن يرثوا أموالكم؛ كما يرث بعضكم بعضا.
وقوله: فطرت الله أي: ابتداء الخلق الذي ابتدأهم عليه، وقيل: إن (على) بمعنى اللام؛ والمعنى: التي فطر الناس لها؛ أي: دين الله الذي خلق الناس لاتباعه.
وقوله: لا تبديل لخلق الله أي: لا تغيير لدين الله، وقيل: المعنى: لفطرة الله التي فطر الناس عليها.
وقوله: منيبين إليه أي: فطرهم منيبين إليه مخلصين في حال الابتداء، وقد ذكرت هذا في "الكبير" مبسوطا، ومعنى منيبين إليه : راجعين إليه بالطاعة، وقيل: أقم وجهك -يا محمد- أنت وأمتك منيبين إليه.
وقوله: أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي: حجة تنطق بشركهم.