1697 (باب في المتصدق والبخيل)

وقال النووي : (باب مثل المنفق والبخيل) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 109-110 ج7 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل البخيل والمتصدق: مثل رجلين عليهما جنتان من حديد، إذا هم المتصدق بصدقة: اتسعت عليه حتى تعفي أثره. وإذا هم البخيل بصدقة: تقلصت عليه، وانضمت يداه إلى تراقيه، وانقبضت كل حلقة إلى صاحبتها" قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيجهد أن يوسعها فلا يستطيع" .

] [ ص: 605 ]

التالي السابق

الشرح

[ ص: 605 ] (الشَّرْحُ)

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ ") .

بِالنُّونِ بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافٍ. (مِنْ حَدِيدٍ) .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثَدْيِهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا".

(إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ) أَيْ تَمْحِي أَثَرَ مَشْيِهِ بِاتِّسَاعِهَا وَكَمَالِهَا وَسُبُوغِهَا.

وَفِي أُخْرَى: (" فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ"، وَقَالَ الْآخَرُ: " إِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ: أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ أَوْ مَرَّتْ) .

(وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ) أَيِ: انْقَبَضَتْ (وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ. وَانْقَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا) .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ، قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَأَخَذَتْ حَلْقَةَ مَوْضِعِهَا".

قَالَ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فَيَجْهَدُ أَنْ يُوسِعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ".

[ ص: 606 ] وَفِي أُخْرَى: (قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: " يُوسِعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ") .

قَالَ النَّوَوِيُّ : هُوَ تَمْثِيلٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ بِالدِّقَّةِ وَالْإِنْفَاقِ. وَالْبُخْلُ بِضِدِّ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: هُوَ تَمْثِيلٌ لِكَثْرَةِ الْجُودِ وَالْبُخْلِ، وَأَنَّ الْمُعْطِيَ إِذَا أَعْطَى، انْبَسَطَتْ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ. وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ.

وَإِذَا أَمْسَكَ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ.

وَقِيلَ: مَعْنَى "يَمْحُو أَثَرَهُ"، أَيْ: يَذْهَبُ بِخَطَايَاهُ وَيَمْحُوهَا.

وَقِيلَ فِي الْبَخِيلِ: قَلَصَتْ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا. أَيْ: يُحْمَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكُوِيَ بِهَا. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.

وَالْحَدِيثُ جَاءَ عَلَى التَّمْثِيلِ، لَا عَلَى الْخَبَرِ عَنْ كَائِنٍ.

وَقِيلَ: ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفَقَتِهِ.

وَيَسْتُرُ عَوْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَسَتْرِ هَذِهِ الْجُنَّةِ لَابِسَهَا.

وَالْبَخِيلُ كَمَنْ لَبِسَ جُبَّةً إِلَى ثَدْيَيْهِ، فَيَبْقَى مَكْشُوفًا بَادِيَ الْعَوْرَةِ، مُفْتَضَحًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ: وَفِي هَذَا: دَلِيلٌ عَلَى لِبَاسِ الْقَمِيصِ.

وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ : (بَابُ جَيْبِ الْقَمِيصِ، مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ) .

[ ص: 607 ] لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ لِبَاسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، مَعَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ جَاءَتْ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[ ص: 605 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جنتان ") .

بالنون بلا شك ولا خلاف. (من حديد) .

وفي رواية أخرى: " مثل المنفق والمتصدق، كمثل رجل عليه جبتان أو جنتان من لدن ثديهما إلى تراقيهما".

(إذا هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه حتى تعفي أثره) أي تمحي أثر مشيه باتساعها وكمالها وسبوغها.

وفي أخرى: (" فإذا أراد المنفق"، وقال الآخر: " إذا أراد المتصدق: أن يتصدق سبغت عليه أو مرت) .

(وإذا هم البخيل بصدقة تقلصت عليه) أي: انقبضت (وانضمت يداه إلى تراقيه. وانقضت كل حلقة إلى صاحبتها) .

وفي رواية أخرى: "وإذا أراد البخيل أن ينفق، قلصت عليه، وأخذت حلقة موضعها".

قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيجهد أن يوسعها فلا يستطيع".

[ ص: 606 ] وفي أخرى: (قال: قال أبو هريرة: فقال: " يوسعها فلا تتسع") .

قال النووي : هو تمثيل لنماء المال بالدقة والإنفاق. والبخل بضد ذلك.

وقيل: هو تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى، انبسطت يداه بالعطاء. وتعود ذلك.

وإذا أمسك صار ذلك عادة له.

وقيل: معنى "يمحو أثره"، أي: يذهب بخطاياه ويمحوها.

وقيل في البخيل: قلصت ولزمت كل حلقة مكانها. أي: يحمى عليه يوم القيامة، فكوي بها. والصواب الأول.

والحديث جاء على التمثيل، لا على الخبر عن كائن.

وقيل: ضرب المثل بهما؛ لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته.

ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، كستر هذه الجنة لابسها.

والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفا بادي العورة، مفتضحا في الدنيا والآخرة.

قال: وفي هذا: دليل على لباس القميص.

وكذا ترجم عليه البخاري : (باب جيب القميص، من عند الصدر) .

[ ص: 607 ] لأنه المفهوم من لباس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه القصة، مع أحاديث صحيحة جاءت به. والله أعلم.