388 (باب لا تستقبل القبلة بغائط ولا بول)

ولفظ النووي: (باب الاستطابة).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 152 - 153 ج3 المطبعة المصرية

[عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله؟ قال: نعم ]

التالي السابق

الشرح

(الشَّرْحُ)

(عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ"، أَصْلُهُ: "الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ"، ثُمَّ صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْخَارِجِ الْمَعْرُوفِ مِنْ دُبُرِ الْآدَمِيِّ.

[ ص: 436 ] "فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ"، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ "سَلْمَانَ" عِنْدَ مُسْلِمٍ "نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ".

"وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ" زَادَ "سَلْمَانُ"، فِي رِوَايَتِهِ "أَوْ أَنْ تَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ بِعَظْمٍ".

"وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا"، قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ بِحَيْثُ: إِذَا شَرَّقَ وَغَرَّبَ، لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا.

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ؛ اسْتَوْفَاهَا الْعَلَّامَةُ "الشَّوْكَانِيُّ" فِي شَرْحِهِ "لِلْمُنْتَقَى"..

وَالرَّاجِحُ: عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ: لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ. وَأَصْلُ النَّهْيِ "التَّحْرِيمُ".

وَحَدِيثُ "عَائِشَةَ" عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَةَ "حَوَّلُوا مَقْعَدَتِي قِبَلَ الْقِبْلَةِ" لَوْ صَحَّ لَكَانَ صَالِحًا لِلنَّسْخِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ.

وَأَمَّا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَانَا عَنْهُ نَهْيًا خَاصًّا بِنَا، لَا يَشْمَلُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصٍّ، وَلَا ظَاهِرٍ؛ لَا يَكُونُ نَسْخًا.

بَلِ الشَّرْعُ فِي حَقِّنَا مَا خَاطَبَنَا بِهِ، وَالشَّرْعُ فِي حَقِّهِ مَا فَعَلَهُ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ السَّابِقُ لِلْفِعْلِ، يَشْمَلُهُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، كَانَ فِعْلُهُ تَخْصِيصًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ.

[ ص: 437 ] وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ "لَا تَسْتَقْبِلُوا، وَشَرِّقُوا وَغَرِّبُوا" خِطَابٌ لَنَا عَلَى الْخُصُوصِ، لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيهِ. فَفِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ هَذَا الْقَوْلَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ.

وَهَذَا مَعَ كَثْرَةِ تَحْرِيرِهِ فِي الْأُصُولِ، وَاشْتِهَارِهِ، يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ؛ لَاسِيَّمَا الْمُقَلِّدِينَ مِنْهُمْ. فَاحْفَظْهُ تَنْتَفِعْ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ.

"قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ" بِفَتْحِ الْمِيمِ، جَمْعُ "مِرْحَاضٍ" بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ وَهُوَ "الْبَيْتُ" الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ أَيْ لِتَغَوُّطِ الْإِنْسَانِ.

"قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ؛ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا؟" أَيْ: نَحْرِصُ عَلَى اجْتِنَابِهَا بِالْمَيْلِ عَنْهَا: بِحَسَبِ قُدْرَتِنَا "وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ".

وَفِي حَدِيثِ "أَبِي هُرَيْرَةَ"، عِنْدَ مُسْلِمٍ يَرْفَعُهُ "قَالَ: إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا".

(الشرح)

(عن أبي أيوب) الأنصاري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط"، أصله: "المطمئن من الأرض"، ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي.

[ ص: 436 ] "فلا تستقبلوا القبلة"، وفي رواية عن "سلمان" عند مسلم "نهانا أن نستقبل القبلة".

"ولا تستدبروها ببول ولا غائط" زاد "سلمان"، في روايته "أو أن تستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار. أو أن نستنجي برجيع، أو بعظم".

"ولكن شرقوا أو غربوا"، قال العلماء: هذا خطاب لأهل المدينة؛ ومن في معناهم بحيث: إذا شرق وغرب، لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.

ثم اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال؛ استوفاها العلامة "الشوكاني" في شرحه "للمنتقى"..

والراجح: عدم الاستقبال والاستدبار: لورود النهي عنه. وأصل النهي "التحريم".

وحديث "عائشة" عند أحمد، وابن ماجة "حولوا مقعدتي قبل القبلة" لو صح لكان صالحا للنسخ. لكنه لم يصح.

وأما فعله صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح للتعارض؛ لأن الذي تقرر في الأصول، أن فعله صلى الله عليه وسلم لما نهانا عنه نهيا خاصا بنا، لا يشملهم صلى الله عليه وسلم بنص، ولا ظاهر؛ لا يكون نسخا.

بل الشرع في حقنا ما خاطبنا به، والشرع في حقه ما فعله. وإن كان القول السابق للفعل، يشمله بطريق الظهور، كان فعله تخصيصا له من ذلك العموم.

[ ص: 437 ] وما نحن فيه من الأول؛ لأن قوله "لا تستقبلوا، وشرقوا وغربوا" خطاب لنا على الخصوص، ليس بداخل فيه. ففعله لا يعارض هذا القول، اللهم إلا أن يقترن به ما يشعر بأنه أراد أن يقتدى به فيه.

وهذا مع كثرة تحريره في الأصول، واشتهاره، يخفى على كثير من المصنفين؛ لاسيما المقلدين منهم. فاحفظه تنتفع به في غير موطن.

"قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض" بفتح الميم، جمع "مرحاض" بكسر الميم؛ وهو "البيت" المتخذ لقضاء الحاجة؛ أي لتغوط الإنسان.

"قد بنيت قبل القبلة؛ فننحرف عنها؟" أي: نحرص على اجتنابها بالميل عنها: بحسب قدرتنا "ونستغفر الله".

وفي حديث "أبي هريرة"، عند مسلم يرفعه "قال: إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".