9079 - أخبرنا قال : حدثنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني - قال : حدثنا يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد ، عن أبي ، عن صالح وهو ابن كيسان ، قال : حدثني ابن شهاب عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ، عن وعبيد الله بن عبد الله زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ، قال : وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، قالوا : قالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، [ ص: 203 ] فقالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب ، فكنت أحمل في هودج ، وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ، دنونا من عائشة المدينة قافلين ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني ، أقبلت إلى رحلي ، فالتمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني ، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا ، لم يهبلن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به ، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان [ ص: 204 ] صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما تكلمنا كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول فهلك من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال : كانت عروة تكره أن يسب عندها عائشة حسان وتقول : إنه قد قال :
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
قالت : فقدمنا عائشة المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ، لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف ، فذلك يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت حين نقهت [ ص: 205 ] فخرجت معي أم مسطح على المناصع ، وكانت متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأولى ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه ، أو لم تسمعي ما قال : قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول مسطح أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، قالت : فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت له : ائذن لي أن آتي أبوي ، وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ، ماذا يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ، لها ضرائر ، إلا كثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي .[ ص: 206 ] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة ، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه ، فقال أسامة : أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بريرة ، فقال : أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت : والذي بعثك بالحق ، ما رأيت عليها قط أمرا أغمصه ، أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن ، فيأكله .
قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، وهو على المنبر فقال : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما يدخل على أهلي إلا معي ، فقام فقال : يا رسول الله ، أنا أعذر منه ، فإن كان من سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل الأوس ، ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ؟ قالت : وقام رجل من الخزرج - وكانت أم حسان [ ص: 207 ] ابنة عمه من فخذه - وهو ، وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج ، قالت : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام لسعد بن معاذ - وهو ابن عم أسيد بن حضير - فقال سعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار حيان : لسعد بن عبادة الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت .
قالت : وبكيت يومي ذلك كله ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأصبح أبواي عندي ، وقد بقيت ليلتين ويوما ، لا أكتحل بنوم ، ولا يرقأ لي دمع ، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي ، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد ، يا ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب [ ص: 208 ] فاستغفري الله ، وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، وقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني - والله - لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم : إني بريئة ، لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقني ، فوالله لا أجد لي مثلا ولا لكم ، إلا عائشة أبا يوسف حين قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت ، فاضطجعت على فراشي .
والله يعلم حينئذ أني بريئة ، وإن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن - والله - ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها .
قالت : فوالله ، ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجمان ، وهو في يوم [ ص: 209 ] شات ، من ثقل القرآن الذي أنزل عليه قال : فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : يا ، أما الله فقد برأك ، فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، وإني لا أحمد إلا الله ، قالت : وأنزل الله : عائشة إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم العشر الآيات كلها .
فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال ، وكان ينفق على أبو بكر الصديق لقرابته وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال مسطح ، فأنزل الله تعالى : لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم فقال : بلى ، والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى أبو بكر الذي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . مسطح
قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عائشة عن أمري ، فقال زينب بنت جحش : ماذا علمت أو رأيت ؟ قالت لزينب : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها عائشة حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك .
قال : فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط . ابن شهاب