يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم .
[178] يا أيها الذين آمنوا كتب فرض.
عليكم القصاص المساواة.
في القتلى والقصاص: المماثلة في الجراح والديات، وأصله من قص الأثر: إذا تبعه، وهو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل، وسبب نزولها أنه كان بين حيين في الجاهلية جراحات وديات لم تستوف حتى جاء الإسلام، فأقسم أحد الحيين ليقتلن بالرجل الواحد الرجلين، فنزلت.
الحر مبتدأ، خبره تقديره: مأخوذ. [ ص: 248 ]
بالحر كذلك والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى اختلف الأئمة في حكم الآية، فمالك والشافعي -رضي الله عنهم- لا يقتلون الحر بالعبد، ولا المؤمن بالكافر، ويجعلون هذه الآية مفسرة للمبهم في قوله: وأحمد النفس بالنفس [المائدة: 45] ، ولأن تلك حكاية ما خوطب به اليهود في التوراة، وهذه خطاب للمسلمين، وما فرض عليهم فيها، واستثنى فقال: إلا أن يقتل المسلم الكافر غيلة، فيقتل به، مالك -رضي الله عنه- وأبو حنيفة يجعل هذه الآية منسوخة بقوله: يقتل الحر بالعبد، والمؤمن بالكافر، النفس بالنفس ، وبدليل ما روي: ولأن التفاضل في الأنفس غير معتبر; بدليل "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، بالاتفاق، واتفقوا على أنه يقتل الذكر بالأنثى، وعكسه، والصغير بالكبير، والصحيح بالأعمى، وبالزمن، وبناقص الأطراف، وبالمجنون. قتل الجماعة بالواحد
ونقل في "كشافه" أن مذهب الزمخشري مالك لا يقتل الذكر بالأنثى; أخذا بهذه الآية، وهو وهم; فإن مذهبهما يقتل الذكر بالأنثى، وعكسه، وقد صرح بذلك علماء المذهبين في كتبهم المبسوطات والمختصرات. والشافعي
فمن عفي له من أخيه شيء أي: ترك له، وصفح عنه من الواجب عليه، [ ص: 249 ] وهو القصاص في قتل العمد، ورضي منه بالدية، وأصل العفو: المحو والتجاوز، وقوله: (من أخيه); أي: من دم أخيه المقتول، وقوله: (شيء) دليل على أن بعض الأولياء إذا عفا، سقط القود، وتعينت الدية; لأن شيئا من الدم قد بطل، وهو قول الثلاثة، وقال : إن عفا بعض من له الاستيفاء، فإن كان الجميع رجالا، سقط القود، وإن كن نساء، نظر الحاكم، فإن كانوا رجالا ونساء، لم يسقط إلا بهما، أو ببعضهما، وإلا فالقول قول المقتص، ومهما سقط البعض، تعين لباقي الورثة نصيبهم من دية عمد. مالك
فاتباع أي: على الطالب للديات الاتباع.
بالمعروف فلا يأخذ منه أكثر من الدية، ولا يطالبه بعنف.
وأداء إليه أي: على المطلوب منه أداء الدية إلى ولي الدم.
بإحسان بلا مماطلة ولا بخس، وهذا تأديب للقاتل، ولولي الدم.
ذلك أي: المذكور من العفو وأخذ الدية.
تخفيف من ربكم ورحمة لأن القصاص كان حتما على اليهود، وحرم عليهم العفو والدية، وكانت الدية حتما على النصارى، وحرم عليهم القصاص، فخيرت هذه الأمة بين الأمرين تخفيفا ورحمة.
فمن اعتدى أي تجاوز ما شرع، فقتل الجاني بعد العفو وقبول الدية، أو قتل غير القاتل.
بعد ذلك أي: بعد أخذ الدية.
فله عذاب أليم في الآخرة. [ ص: 250 ]