أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون .
[187] أحل أي: أبيح.
لكم ليلة الصيام ظرف لـ "أحل".
الرفث الجماع ومقدماته.
إلى نسائكم قال الزجاج: الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من النساء.
هن لباس لكم أي: ستر من النار بالتعفف.
وأنتم لباس لهن واللباس: اسم لكل ما يستر، فكأن كل واحد منهما سترا لصاحبه عما لا يحل، وجاء في الحديث: "من تزوج، فقد أحرز ثلثي دينه". [ ص: 264 ]
علم الله أنكم كنتم تختانون تخونون.
أنفسكم وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء.
فتاب عليكم تجاوز عنكم.
وعفا عنكم محا ذنوبكم.
فالآن ظرف لقول:
باشروهن جامعوهن، وسميت المجامعة مباشرة لالتصاق بشرتيهما.
وابتغوا اطلبوا.
ما كتب الله لكم في اللوح المحفوظ من الولد، وكان في ابتداء الإسلام إذا نام الإنسان أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب في صيام رمضان، فنزل رخصة:
وكلوا واشربوا ليالي الصيام.
حتى يتبين تبين الشيء: ظهر.
لكم الخيط الأبيض هو أول ما يبدو من بياض النهار كالخيط الممدود.
من الخيط الأسود هو ما يمتد من سواد الليل مع بياض النهار، وشبها بخيطين أبيض وأسود لامتدادهما، والمراد: الفجر الثاني. [ ص: 265 ]
من الفجر بيان للخيط الأبيض، واكتفى ببيان الخيط الأبيض عن بيان الأسود; لدلالته عليه، ولما أنزلت: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ولم ينزل من الفجر، كان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله: من الفجر ، فعلموا أنما يعني الليل والنهار، والفجر فجران: كاذب، وصادق، فالكاذب يطلع أولا مستطيلا يصعد إلى السماء، فبطلوعه لا يخرج الليل، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، ثم يغيب فيطلع بعده الصادق، ينتشر سريعا في الأفق، ولا ظلمة بعده، فبطلوعه يدخل النهار، ويحرم الطعام والشراب على الصائم.
ثم أتموا الصيام إلى الليل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم".
ولا تباشروهن المباشرة: الجماع، نزلت فيمن كان [ ص: 266 ] يعتكف في المسجد، فإذا عرضت له حاجة إلى امرأته، خرج فجامعها، ثم اغتسل فرجع إلى المسجد.
روي عن : الوقف على النون المشددة من جمع الإناث بالهاء نحو: (هنه) (ومنهنه) (ولا تباشروهنه) وشبهه حيث وقع. يعقوب
وأنتم عاكفون مقيمون ناوون الاعتكاف.
في المساجد ولا يجوز وهو سنة بالاتفاق، وهو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ولو مميزا، طاهر مما يوجب غسلا، ولو ساعة، ويجوز غير صائم عند الاعتكاف في غير المساجد، الشافعي خلافا وأحمد، لأبي حنيفة -رضي الله عنهما-. المعنى: الجماع محرم عليكم مدة اعتكافكم ليلا ونهارا، وهو مفسد له بالاتفاق، وما دون الجماع من المباشرات; كالقبلة واللمس بالشهوة، فمكروه، ولا يفسد الاعتكاف عند ومالك وقال الشافعي، : يبطل اعتكافه، وعند مالك أبي حنيفة : إن أنزل، بطل، وإلا فلا. وأحمد
تلك أي: الأحكام المذكورة وجميع المحرمات.
حدود الله أي: موانعه، وأصل الحد في اللغة: المنع، ومنه قيل للبواب: حداد; لأنه يمنع الناس من الدخول. قرأ (المساجد تلك) بإدغام الدال في التاء. أبو عمرو
فلا تقربوها أي: فلا تأتوها.
كذلك هكذا. [ ص: 267 ]
يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون لكي يتقوها فينجوا من العذاب.