[ ص: 352 ] لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا .
[27] روي مكة هو وأصحابه آمنين، ويحلقون ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا، وظنوا أنه يكون في ذلك العام، فلما انصرفوا ولم يدخلوا، قال المنافقون: وأين الرؤيا؟ ووقع في نفوس المسلمين شيء من ذلك، فأنزل الله تعالى:
لقد صدق الله رسوله الرؤيا التي رآها في النوم بالحق بالصدق. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في منامه قبل خروجه إلى الحديبية أنه يدخل
قرأ وخلف: (الرؤيا) بالإمالة، والباقون: بالفتح. الكسائي،
لتدخلن اللام لام القسم الذي يقتضيه (صدق) لأنها من قبيل تبين وتحقق ونحوها مما يعطي القسم، تقديره: والله لتدخلن.
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ودخول الاستثناء في إخبار الله -عز وجل- فيه وجوه: أن يعلق عدته بالمشيئة; تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله، ومقتدين بسنته، أو يريد: لتدخلن جميعا إن شاء الله، ولم يمت منكم أحد، أو: كان ذلك على لسان ملك، فأدخل الملك: إن شاء الله، أو: هي حكاية ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وقص عليهم، وقيل: هو متعلق بـ (آمنين)، وقيل: (إن) بمعنى (إذ) فكأنه قال: إذ شاء الله، قال وهذا أحسن في معناه، لكن كون (إن) [ ص: 353 ] بمعنى (إذ) غير موجود في لسان العرب، انتهى. ابن عطية:
محلقين حال من (آمنين) مفعوله رءوسكم أي: جميع شعورها ومقصرين بعض شعورها، وتقدم حكم الحلق والتقصير في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [الآية:196].
لا تخافون أبدا فعلم ما لم تعلموا من الحكمة في تأخير الفتح.
فجعل من دون ذلك أي: فتح مكة فتحا قريبا هو فتح خيبر، وتحققت الرؤيا في العام القابل، فكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة.
* * *